بحسب إحصاءات رسمية؛ تزيد واردات السعودية من الخارج عن نصف تريليون ريال سنوياً.. هذا الرقم الضخم الذي يولّد ملايين الوظائف في الدول المصدّرة، كفيل بابتلاع مشكلة البطالة في بلادنا من جذورها، وتأمين مئات الآلاف من الوظائف الحقيقية والمقنعة للشباب والشابات.. بشرط أن يكون هذا من خلال قطاع خاص قوي ومتكامل وحقيقي.. وأرجو أن تضع تحت كلمة حقيقي ألف خط!. لا أظنني أذيع سراً إن قلت أن معظم شركات قطاعنا الخاص الذي نعوّل عليه كثيراً في رؤية ٢٠٣٠، ونعلق عليه آمال استيعاب أعداد كبيرة من المواطنين، ونثقل عليه ببرامج التوطين والسعودة؛ لا يزال في معظمه قطاعاً هشاً وضعيف البنية للأسف الشديد.. فأكثر من ٩٥% من شركاته هي شركات صغيرة لا تزيد حاجتها من الموظفين عن بضعة عمال، وشركات مقاولات متوسطة (تعتمد في عملها ورواتب موظفيها على العقود الحكومية) ناهيك عن المطاعم والبقالات التي تلوّح وزارة العمل بـ (حشر) الشباب فيها برواتب متدنية ومميزات ضعيفة.. وجميع هذه الوظائف تفتقر الى وجود وصف وظيفي لها، أو إلى أي مهام وظيفية واضحة المعالم، إضافة إلى افتقارها للتدريب والتطوير، و للتدرج الوظيفي الضامن لتحفيز العاملين.. ولعل هذا يعود إلى أن قطاعنا الخاص كله، كان قد اعتمد ولفترات طويلة على العمالة الأجنبية غير المؤهلة -التي كانت تُلزم من قبل الكفيل- بالاستمرار في العمل دون النظر لكل هذه المتطلبات الوظيفية، الأمر الذي لم يعد متناسباً مع طموح الشاب السعودي الذي يأمل في وظيفة قوية وذات مستقبل واضح ومعروف. إن وجود القطاع الخاص القوي ليس ترفاً اقتصادياً، بل هو واحد من أهم عوامل التنمية الاقتصادية المستدامة، لذا نجد الحكومات القوية تسعى بكل قواها الى تحفيز وتشجيع قطاعاتها الاقتصادية الخاصة، وعدم مزاحمتها من قبل القطاع الحكومي العام، كونها تدرك أنه مهما بلغت قوتها وقوة مواردها فإنها لا تستطيع التصفيق بيد واحدة.. ويؤكد الفشل الذريع للتجربة الاشتراكية هذه الحقيقة؛ حين ألغت هذه الدول القطاع الخاص طمعاً في أن يكون القطاع العام هو الأداة الوحيدة لتحقيق النمو المستدام، ثم عادت بعد فشل ذريع وفقر مدقع إلى بناء قطاع خاص فعّال يكون شريكاً في عملية البناء كما يحدث اليوم في الصين وروسيا وبعض الدول العربية. من حق الشاب السعودي أن يبحث عن الاستقرار في وظيفة قوية وواضحة المعالم وذات مستقبل وظيفي واضح.. ومن أسف أن نقول إن الآمال المعقودة على توفير نحو 1.2 مليون فرصة عمل بحلول 2022، لن يحققها قطاعنا الخاص بوضعه الراهن.. بل نحن بحاجة إلى دعمه وتحسين وضعه من خلال ضخ استثمارات ضخمة في مجال الصناعة والتصنيع والتكنولوجيا تحديداً.. وإلى دعم التعليم والبحث العلمي.. حينها سيقوم هذا القطاع بدوره الإستراتيجي في التنمية ورفع الناتج المحلي والأهم صناعة الوظائف المناسبة للشباب.
مشاركة :