ما أسهل الشكاية، وما أيسر أن يستعين لُغويّ بلغته وأدواتها من بيان وبديع ومعانٍ ليقول شيئًا، لكن صدقني أيها القارئ الكريم، لقد أيقنت أنَّ التجربة الأدبية المصنوعة شيء أقرب إلى الزّيف، وأبعد من الحقيقة، فلقد يعاني الأديب –وهو أديب- من نقل مشاعره، وترجمة أحاسيسه إلى شيء مسموع يقرع القلب قبل الأذن، ويخلب اللب قبل العين، إلا أن يكون أديبا مكلومًا يخرج أدبه من صدق معاناته، ولقد قالوا وما أصدق ما قالوه: «ليست النَّائحة الثكلى كالنَّائحة المستأجرة».لم يقدِّر الله الرحمن الرحيم أن أكون ممن وقع عليهم الاختيار لحج بيته الحرام هذا العام، والحمد لله على ما قضى وقدَّر، لكني وددت لو صرخت وبكيت، إي والله، ولقد صرخ قلبي وبكى من هذا الوجع الذي حلَّ به فلم يبرحه منذ عرفت هذا الخبر، وإن لم يشعر بي من حولي!حقًّا والله إنه لوجع شديد!وجع شديد حين أُحرم على اشتياقي، وأُمنع مع تعلُّقي، وأردُّ مع أملي! وقد كنت أمني نفسي، وأرجو ربي أن تُغفر ذنوبي هذا العام، وهل أضمن أن أعيش غيره؟رحت أتأمل وأجهز زادي وإحرامي، وأجهز دعواتي التي أدعو بها هناك، وعباداتي التي سأبذلها لربي.وجع شديد أجده، وأعلل نفسي فأقول: لست وحدك المشتاق المحروم.لكني أجد وجعًا شديدًا فأحاول تعزية نفسي فلا أجد ما أتعزَّى به إلا أن أقول: «هكذا قضى الله، وهكذا قدَّر»، أو أقول: «لعلَّ الله لم يأذن بعد»!وأتلمس قلبي من بين أضلعي ليرضى بهذه التعزية فيأبى، ويساءلني باكيا، ويلومني منتحبا:لماذا لم تكن معهم فتفوز فوزا عظيمًا؟ وهل ردَّك الله فلم يرد منك تلبية ولا طوافا ولا سعيًا؟أو أن معاصيك وذنوبك منعتك من أن يباهي الله بك ملائكته؟أو أن نيتك منعتك من أن ترجع من هناك كيوم ولدتك أمك؟أعلل نفسي أيها القارئ الكريم بأن كل شيء خلقه الله بقدر، فالرحلة بقدر، والحركة بقدر، والتلبية بقدر والطواف بقدر.أثق أني يوما ما سيأذن الملك الودود بأن أهتف قائلا: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة، لك والملك، لا شريك لك.
مشاركة :