الصراع بين قوتي الكائنات الوحشية الغازية للأرض والمقاومة الإنسانية من أجل البقاء، بكل ما يتطلبه من تحشيد للإمكانيات من الجانبين حتى تتقزّم في الكثير من الأحيان الطاقات البشرية مقارنة بما لدى تلك الكائنات العملاقة من قدرات فائقة واستثنائية، كانت ولا تزال هذه الثيمة من أساسيات سينما الخيال العلمي. وخلال ذلك الصراع سوف نكتشف في كل مرة نقاط الضعف للكائنات العملاقة لتقع المواجهة معها في صراعات تنتهي بفوز البشر مع بث حبكات ثانوية تدفع المشاهد إلى الترقب والبحث عن مفاجآت ما. شهدنا مثل تلك الكائنات في صراعها مع البشر في العديد من الأفلام ومنها أفلام “دونكروك” (إنتاج 2004)، و”تاريخ ناريانا” (2005)، و”كودزيلا” (1998)، و”أفاتار” (2009)، و”معركة لوس أنجلس” (2010)، و”الشيء” (2011)، و”بروميثوس” (2012)، وسلسلة “الفك المفترس” (1975)، و”المومياء” (2008)، وغيرها. وفي فيلم “جزيرة الوحش” للمخرج مارك أتكنس (إنتاج 2019) سوف تتم معالجة الثيمة ذاتها، الصراع مع الوحش الذي يستهدف البشر. وتبدأ قصة الفيلم من قيام المليونير بيلي فورد (الممثل أدريان بوشيت) بأعمال التنقيب تحت سطح البحر بحثا عن الجزر المرجانية وما إلى ذلك، ولكن يفاجأ فريقه الصغير بأن في عمق البحار يكمن الوحش كاجو، وهو على وشك الانقضاض على الغواصة الصغيرة التي تقل كلّا من فورد وكريس (الممثلة دونا تومسون) وريلي (كريس فيشر)، بالإضافة إلى الموظفة الحكومية سارا (الممثلة ناتالي روبي). كل هؤلاء وبقيادة الكابتن هورن (الممثل إيريك روبرتس) سوف يخوضون تلك المواجهة. تظهر خارقية تلك الكائنات من خلال تكاثرها وانتشارها، فهي تجمع بين ضخامة الديناصورات وبين الطيور العملاقة، ولكنها تمتلك أيضا القدرة على نفث النيران ما يُصعّب عملية مواجهتها. الوحش كاجو يتحول إلى كابوس لا يُعرف متى يطلق أبناءه من الكائنات الطائرة الوحشية ومتى يفتك بالبشر، إذ إنه يفعل ذلك بين الحين والآخر. ولتجذير قوة الصراع في هذه الدراما الفيلمية يبرز عدو آخر في المواجهة، ألا وهو تينكو الذي هو أقرب إلى شكل نجم البحر العملاق، ولهذا لم يكن هنالك من حل إلاّ بتعقيد المواجهة بين الوحشين تينكو وكاجو وهو ما يدفع الفريق إلى البحث عمّن له معرفة عملية بهذه الكائنات.تدخل العالمة رانا (الممثلة ماركوت وود) المتخصّصة في علم الأجناس الحيوانية المنقرضة لتتوصّل إلى طريقة ما تتمكن بها من إعطاب قدرات كاجو وتُمكّن منه تينكو في المواجهة. وخلال ذلك سادت أجواء الترقب مع تصاعد الصراع والعجز عن السيطرة على تلك الكائنات، وعلى فرض أننا نشاهد هذه التجربة الفيلمية لكي تكون مختلفة عن تجارب فيلمية سابقة خاضت في الموضوع نفسه، ولكن بحسب معالجة مختلفة. واقعيا كان المخرج بحاجة إلى المزيد من الاشتغال على هذه الثيمة، وذلك بسبب كثرة وتنوع المعالجات السينمائية السابقة التي خاضت فيها، والتي تحتاج أولا إلى قوة الإقناع والمجيء بأحداث وشخصيات تتميّز باختلافها عمّا سبق في مجال السينما. وتبرز القدرات الفردية في مثل هذه الدراما الفانتازية، وهي من المعالجات السائدة، لكننا في هذا الفيلم وجدنا أن الفريق لم يقم بما يكفي من مغامرات، كما أن اللقاء بين الفريق والبشر بصفة عامة والوحوش لم يتحقق دراميا كواحدة من الذروات التي تتكرّر عادة في مثل هذه الأفلام. من جهة أخرى كان الفيلم بحاجة إلى حلول بصرية مبتكرة، وخاصة في ما يتعلق بتلك الكائنات ومظهرها وحركاتها على صعيد الغرافيك والخدع السينمائية وحركات الكاميرا، وهي نقاط لم يتفوّق فيها المخرج كثيرا مقارنة بأفلام سابقة عديدة عالجت الثيمة نفسها. وظف المخرج مارك أتكنس أداء الممثلين في أسلوب فريق جماعي يحاول الخروج من المأزق، وبذلك اهتدى إلى إيجاد حلّ علمي أكثر من اعتماده على عنصر المغامرة الذي شاهدناه في أفلام من هذا النوع، ولهذا أوجد المخرج وهو السيناريست أيضا، الباحثة العلمية التي تعرف سلوك هذه الكائنات واستخدمها لغرض الإجهاز عليها بدلا من الهجوم واستخدام الأدوات البشرية. وفي مشاهد تتم من خلالها الاستعانة بالقوات البحرية الأميركية من خلال شخصية الأدميرال بوتلر (الممثل إيرك روبرتس) وبحكم اختصاصه البحري لن يجد سبيلا إلّا من خلال إصدار الأوامر بالضرب، لنراه يصرخ عبر الهاتف مطالبا بتنفيذ ضربات قوية ضد تلك الكائنات الوحشية، لكنه هو نفسه يشهد كيف كان الوحش يبتلع الطائرة المروحية في مفارقة درامية لم تقنعنا كثيرا بجدوى المهمة وأبعادها. ومع ذلك، تتشعب خطوط السرد بعد ذلك، ويغدو من الصعب العثور على حل درامي حاسم بسبب شبه غياب الشخصية المحورية التي بإمكانها السيطرة على الأحداث وقلب الموازين وتحقيق عنصر المفاجأة، وهو ما تمّت معالجته كما ذكرنا من خلال توظيف فريق كامل لمواجهة التحدي، وهي معالجة لم تضف الكثير إلى جمالية فيلم “جزيرة الوحش”.
مشاركة :