يبدأ فيلم “غودزيلا” للمخرج مايكل دوغيرتي بصرخة الفقدان، صرخة مدوية وسط النار والخراب، ذلك ليس ماضيا بعيدا، بافتراض أننا في إحدى الولايات المتحدة وأن ما نشاهده يكون قد وقع قبل خمسة أعوام من الآن. هو العالم الديستوبي الافتراضي، حيث تراوحت سينما الخيال العلمي ما بينه وبين اليوتوبيا، لكن ونحن وسط ذلك الصخب سوف نكتشف جماليات العالم الديستوبي والفاعلين الأساسيين فيه. ويندرج هذا الفيلم ضمن الأفلام ذات الإنتاج الضخم وتولت توزيعه شركة “وارنر بروذرز” الشهيرة في إنتاج وصل إلى قرابة 200 مليون دولار، حيث تتداخل الثيمات التي يعالجها الفيلم وتتعدّد وتتشعّب أماكن التصوير بشكل متشابك، وحيث تم زج كل ما هو متاح من عناصر سمعية وبصرية من أجل تقديم فيلم ناجح على جميع المستويات وأهمها النجاح التجاري. والصرخة التي أشرنا إليها آنفا، لم تكن إلاّ صرخة الدكتور مارك (الممثل كيل تشاندلر) وقد فقد ابنه في وسط الدمار الهائل الذي خلفه انطلاق كائنات عملاقة هجمت على تلك الولاية الأميركية، لنبدأ من خلاله رحلة متشعّبة شملت قارات العالم تقريبا بسبب أن وحوشا مماثلة تكون قد انطلقت من مخابئها ومن تحت الأرض، لتضرب كل ما حولها، وذلك بسبب التأثيرات الإشعاعية للتجارب النووية التي أجريت على مستوى العالم، ولهذا فحتى تلك الكائنات تكون قد تشبّعت بالإشعاع. وللتصدي لتلك الكائنات يقسم الجميع إلى فريقين، فريق يطالب بإبادتها وفريق آخر يطالب بإطلاقها واحتوائها والتعايش معها، وخلال ذلك تجري فلسفة الموقف برمته على أن البشرية قد خرّبت الكوكب بالحروب والصراعات والتلوّث والتضخم السكاني، وها هي تدفع الثمن، وأن تلك الكائنات ما هي إلاّ سكان الكوكب الأصليون الذين يريدون العودة إلى أماكنهم. وتقود فريق الاحتواء وقبول الوحوش الباحثة إيما (الممثلة فيرا فارميغا) وهي زوجة الدكتور مارك، وتكون قد طوّرت منظومة احتواء تم إنتاجها في الأصل لإبعاد الحيتان وأسماك القرش عن التجمعات البشرية والشواطئ من خلال الموجات الكهرومغناطيسية، ويؤجّج موقف إيما الذي يؤمن بإطلاق تلك الكائنات خلافات حادة تستوجب تدخل الجيش الأميركي وإطلاق المقاتلات وأسلحة الدمار الشامل للتصدي لتلك المخلوقات. وتمضي إيما في خططها وبضغطة زر تتسبّب في تدمير منصات الاحتواء وإطلاق التنين العملاق ذي الرؤوس الثلاثة، لتبدأ رحلة معقدة حافلة بالمغامرات، حيث تم تكريس فرق إنتاجية ضخمة ومهندسي خدع بصرية ومتخصّصين في التحريك والرسوم ثلاثية الأبعاد ليقدموا لنا حصيلة وافرة من المتعة البصرية التي لا تكاد تنتهي. ولعل إحدى الميزات الأخرى في هذه الدراما الفيلمية زج العامل الاجتماعي والعاطفي في وسط صراع يبدو أنه كوني وشامل بسبب غزو تلك الكائنات للأرض، وسرعة انتقالها من بلد إلى آخر، حيث تظهر في ألمانيا والمكسيك واليابان والصين كما في أميركا وروسيا والقطب الشمالي، لكنها لم تظهر في الشرق الأوسط، وذلك من حُسن الطالع. والعامل الاجتماعي والعاطفي تمثل في الأسرة المكونة من إيما وزوجها وابنتهما، وكل منهم سوف يفعل فعله ويكون له دور مهم في تلك المعالجة الفيلمية لدراما الكوارث، حيث يفترق الزوجان ويتقاطعان تماما في كيفية معالجة الكارثة. وفي المقابل يتم تأسيس غرفة عمليات يشرف عليها جنرالات أميركان، وقد عرضت على شاشات عملاقة خرائط وصور مباشرة لتتبّع انتقال الوحوش التي سوف تتوّج بظهور “الغودزيلا” الذي سوف ينتقم من التنين ذي الرؤوس الثلاثة، وتستغرق مشاهد القتال بين الغودزيلا وخصمه مساحة مهمة من الفيلم تتوج بفوز الغودزيلا، وكأن أميركا انتصرت على التنين الصيني. مشاهد مبنية بعناية وغواصات تحت الماء وطائرات شبح وحاملات طائرات ومروحيات متطوّرة، كلها حفل بها الفيلم في نسيج بصري شديد الكثافة، وكأن المخرج مايكل دوغيرتي وأعضاء فريقه أرادوا أن يقدموا كل شيء دفعة واحدة، صراعات درامية ومعارك ضارية ومشاهد تعود بنا إلى ألعاب الفيديو مصحوبة بالعديد من الخدع السينمائية سواء في تضخيم الكائنات أو في تأسيس أرض المعارك الطاحنة. وخلال ذلك، حفل الفيلم بسجالات تتعلق بالأرض وسكانها وسلوك ساستها وماذا خلّف الإنسان وراءه من دمار تسبّب في ظهور تلك الكائنات وتغوّلها وتوحّشها وخروجها عن السيطرة، ليبقى الغودزيلا سيد الموقف إلى حين، وكأننا سوف نكون، حتما، على موعد مع جزء لاحق من الفيلم نتابع فيه مغامرة جديدة للوحش غودزيلا، سيد الوحوش بلا منازع.
مشاركة :