البيروقراطية العميقة تقتل الاقتصاد التونسي

  • 7/8/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

معظم المحللين والخبراء متفقون على أن أحد أسباب انهيار اقتصاد أي دولة أو تراجع مردوده، وتونس مثال على ذلك، هو البيروقراطية العميقة، التي تقتله وتكبل طموحات المستثمرين محليين كانوا أم أجانب، وتضيع على الدولة الاستفادة من عوائد هي في أمس الحاجة إليها. هذه الصورة النمطية المزعجة منتشرة عربيا بشكل مفرط عدا بعض الدول، التي تلمست الطريق نحو تطوير مناخ الأعمال بنفض الغبار عن القوانين البالية والقضاء على الإدارة العميقة المكبلة للاستثمار. فدولة الإمارات، مثلا، باتت نموذجا عالميا في إنهاء فوضى البيروقراطية وإلى الأبد. لكن ذلك لن يكون كافيا إذا لم يرافق تلك الخطوات تجسيد حقيقي على أرض الواقع، وهو ما تجسده الحكومة التونسية بشكل ملموس من خلال عدم اكتراثها لهذه القضية باعتبارها وجه العملة الثاني للفساد، وإلا ماذا يعني عدم منح تراخيص لمشاريع استراتيجية جاهزة منذ سنوات. مشكلة طول الإجراءات الإدارية إحدى أبرز المعضلات الرئيسية في تونس، التي تمثل حاجزا أمام تنفيذ أي قرار سياسي أو اقتصادي حتى أن المسؤولين أقروا بأن هناك إدارة عميقة تجب محاربتها لتنفيذ الإصلاحات، لكنهم لم يفلحلوا وهذا دليل على عدم قدرة الدولة على محاربة اللوبيات وإنهاء سيطرة المتنفذين. حتى اليوم تبدو الجدية مفقودة، فمنذ أن أعلنت الحكومة التونسية مطلع 2018 عن برنامج متكامل لمكافحة البيروقراطية، استفحلت المشكلة بشكل لا يطاق في كافة الإدارات ولا تزال تراخيص عشرات المشاريع الاستراتيجية في أدراج الوزارات بداعي مصلحة “تونس أولا”. هذه البيروقراطية العميقة، التي تخدم عادة لوبيات سياسية واقتصادية متنفذة في مفاصل الدولة، جعلت من التونسيين وحتى الكثير من الشركات ورجال الأعمال يتذمرون من استمرار تعقيدات الإجراءات الإدارية والبطء في حسم الملفات المهمة واستخراج حتى الوثائق العادية، التي تتطلب وقتا كثيرا لا مبرر له. ومع أن قطاع الأعمال يحاول الخروج من أزماته الكثيرة سريعا لتطوير نشاطه، إلا أن متلازمة البيروقراطية والفساد تكبل جهود الشركات والمستثمرين خاصة مع ضبابية الرؤية حول مناخ الأعمال، الذي لطالما أكدت الحكومة أنه يسير نحو التحسن بفضل قانون الاستثمار الجديد. هناك معادلة معروفة في تونس ولا أحد يمكن أن ينكرها، وهي أنه كلما كثرت الإجراءات الإدارية إلا وانتشرت مظاهر الرشوة والابتزاز داخل الجهات الحكومية، وبالتالي فإن مسألة إصرار الحكومة على أنها تكافح البيروقراطية لا تعدو أن تكون أداة انتخابية لحصد الأصوات. المؤكد أن بعض الإداريين يستغلون حاجة طالب الخدمة أو المستثمر إلى السرعة في تسوية ملفه فيتم وضعه بين خيارين، إما انتظار مرور معاملاته بالقنوات العادية، وهو ما قد يكلفه أشهرا وأحيانا سنوات حتى يحصل على مبتغاه أو يرضخ للابتزاز والرشوة لإتمام إجراءات ملفه بسرعة. في كثير من الأحيان لا يكون اللوم على من يقوم بإتمام المعاملات في أي جهة حكومية لأن ذلك الشخص هو نفسه موظف “سلبي”، وهو جزء من إدارة مصابة بداء البيروقراطية، حيث تجدها عاجزة عن الإنجاز السريع وعن إيجاد الحلول الفعالة كما أنها غير قادرة على الابتكار. وإذا نظرنا إلى الأرقام قليلا، نجد أن الشركات التونسية أنفقت قرابة 18 بالمئة من مبيعاتها بمعدل سنوي منذ بداية الأزمة قبل ثماني سنوات على الأعباء البيروقراطية وما يتصل بها من حالات الفساد، وفق البنك الدولي. وهذا مبلغ كبير قياسا بمداخيلها المتراجعة بسبب ما تمر به البلاد من متاعب لا حصر لها. وبحسب هيئة مكافحة الفساد التونسية، زاد منسوب الفساد الإداري والمالي منذ 2011 في جميع مفاصل الدولة بشكل لم يعد معه التغاضي عنه ممكنا باعتباره أحد أبرز العوامل التي تكبل النمو، حيث تشير بياناتها إلى الخسائر السنوية للبلاد والتي تقدر بنحو 830 مليون دولار كل عام. وفي ضوء ذلك كله، تسود قناعة بين التونسيين بأن القطاع الخاص على وجه التحديد يعتبر مجالا واسعا للفاسدين لأنهم استفادوا لسنوات من البيروقراطية في شكل دعم وامتيازات وقروض من الدولة دون أي ضمانات واقعية. وهنا لا يمكن أن ننسى الإشارة إلى أن تفشي الفساد الإداري في العديد من هياكل الدولة أدى كذلك إلى تفاقم ظاهرة التجارة الموازية، التي كبدت خزينة الدولة خسائر بمليارات الدولارات سنويا. وكل تلك العوامل مجتمعة تفقد تونس نقطتين إلى 4 نقاط من النمو سنويا وتجعل الاقتصاد يدور في حلقة مفرغة إلى أجل غير مسمى.

مشاركة :