أنقرة - قال نائب رئيس وزراء تركيا السابق علي باباجان اليوم الاثنين إنه استقال من حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان بسبب "خلافات عميقة" حول توجه الحزب، مضيفا أن تركيا تحتاج إلى رؤية جديدة. واستقالة باباجان وهو حليف سابق لأردوغان لا تشكل استثناء في مشهد سياسي واقتصادي يزداد قتامة في تركيا مع إصرار الرئيس على التفرد بالحكم ووضع كل منتقديه في سلّة الأعداء بمن فيهم حلفاؤه. وتؤكد استقالة باباجان معلومات سابقة عن شروخ عميقة في العدالة والتنمية وانقسامات حادة تشق صفوف إسلاميي تركيا. وفي الفترة الأخيرة برز اسم أحمد داوود أغلو رئيس الوزراء السابق والذي سبق له أيضا أن تولى حقيبة الخارجية كرجل المرحلة القادمة في ظل الأزمة الراهنة التي يمر بها حزب العدالة والتنمية الحاكم. وكان داوود أغلو الحليف الوثيق للرئيس رجب طيب أردوغان قد وجه انتقادات شديدة لحزب العدالة والتنمية بعد هزيمة الحزب المؤلمة في انتخابات رئاسة بلدية اسطنبول والتي تعتبر على نطاق واسع نذر شؤم لأردوغان على مستوى البلاد. وقال "نواجه مشكلات اقتصادية مثلما واجهنا في عام 2008. حينئذ كان في القيادة أشخاص على دراية بالاقتصاد وكانت هناك رؤية"، في إشارة ضمنية للرئيس التركي الذي أعلن في تصريحات سابقة للانتخابات البلدية، أنه هو المسؤول عن الاقتصاد وأنه يمتلك معرفة كافية تؤهله لتقييم الوضع الاقتصادي. ويعاني الاقتصاد التركي من حالة ركود وهددت الولايات المتحدة حليفة تركيا في حلف شمال الأطلسي، بفرض عقوبات إذا مضى أردوغان في شراء منظومة دفاع صاروخي روسية. وليس واضحا ما اذا كان داوود أغلو سينضم لجبهة جديدة منشقة عن العدالة والتنمية لمواجهة أردوغان والعمل على إبعاده عن الحكم. ويقول أشخاص على دراية بالأمر إن باباجان والرئيس السابق عبدالله غل يعتزمان تشكيل حزب سياسي منافس هذا العام في خطوة يمكن أن تزيد من تراجع شعبية حزب أردوغان بعد الهزيمة الانتخابية الصاعقة التي مني بها في اسطنبول الشهر الماضي. وقال نائب رئيس الوزراء التركي السابق في بيان "في ظل الظروف الحالية، تحتاج تركيا إلى رؤية جديدة تماما لمستقبلها. هناك حاجة إلى تحليلات صحيحة في كل مجال واستراتيجيات مطورة حديثا وخطط وبرامج لبلادنا". وأضاف "صار محتما بدء جهد جديد من أجل حاضر تركيا ومستقبلها. كثير من زملائي وأنا نشعر بمسؤولية عظيمة وتاريخية نحو هذا الجهد"، معلنا أنه قدم استقالته إلى حزب العدالة والتنمية. وكان انتخاب السياسي المعارض أكرم إمام رئيسا لبلدية اسطنبول بعد إعادة الانتخابات في 23 يونيو/حزيران قد مثل أكبر خسارة انتخابية لأردوغان في حياته السياسية. وشجعت الهزيمة في أكبر مدينة تركية المنتقدين داخل حزب العدالة والتنمية بعد أن ظلوا لسنوات يلمحون إلى خطط لتشكيل حزب جديد. وشغل باباجان منصبي وزير الاقتصاد ووزير الخارجية في السنوات الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية قبل تعيينه نائبا لرئيس الوزراء وهو المنصب الذي شغله في الفترة من 2009 إلى 2015. وشغل غل منصب الرئيس من 2007 إلى 2014 قبل أن ينتقل أردوغان من رئاسة الوزراء إلى رئاسة تركيا. وتردد في السابق أن أردوغان عمد إلى إبعاد بعض من قادة الصف الأول مدفوعا بطموحاته السياسية الاستبدادية وعبدالله غل من بين هذه الشخصيات وقد التزم الصمت وتوارى عن أنظار الإعلام لسنوات منذ انتهاء ولايته الرئاسية. وشمل سيناريو الإبعاد أيضا أحمد داوود أغلو الذي كان من المقربين جدا من الرئيس التركي خوفا من طموحاته السياسية ووسط قلق من تنامي شعبيته محليا ودوليا. ويعرف عن داوود أغلو بتمتعه بعلاقات جيدة مع الأوروبيين وقاد في السابق حين كان رئيسا للوزراء جهود تهدئة التوترات بين أنقرة وبروكسل والتوصل في 2016 لاتفاق الهجرة لكبح تسلل المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا مقابل مزايا مالية وسياسية لتركيا. ويتوقع متابعون للشأن التركي أن يرتفع عدد القافزين من سفينة أردوغان في ظل انقسامات عميقة وشروخا عمقتها سياسة الرئيس الحالي. ويخوض الرئيس التركي المعروف بخطاباته الشعبوية معارك على أكثر من جبهة محلية ودولية لتعزيز موقعه، لكنها أدخلت تركيا في أزمات اقتصادية وسياسية. وتشير الانشقاقات والانقسامات في صفوف اسلاميي تركيا إلى تفكك المشروع الاخواني الذي يقوده أردوغان والذي خسر الكثير من حلفائه على رأسهم الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي عزله الجيش في أبريل/نيسان اضافة إلى فشل اسلاميي موريتانيا في الانتخابات الأخيرة وقبلها فشل حكم الاخوان في مصر. ويجد الرئيس التركي نفسه وحيدا بعد هيمنة طويلة على الحكم وتدخلات خارجية وترت العلاقات الدبلوماسية مع الشركاء الأوروبيين ومع الحليف الأميركي، إلا أنه يصرّ على العناد والمكابرة في التعاطي مع الأزمات متعددة الرؤوس التي أغرق فيها تركيا. وأحدثت نزعته الاستبدادية داخل حزبه وخارجه حالة من التململ لدى أعضاء بارزين في حزب العدالة والتنمية ودفعت شقا منهم للبحث عن بديل قد يكون جبهة سياسية جديدة معارضة لأردوغان ستعمل على اعادة ترميم الشروخ التي أحدثها في العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي وتوحيد الاسلاميين ضمن مشروع اعادة هيكلة ومراجعة تقطع مع النهج السابق ومن ضمنه التدخلات الخارجية.
مشاركة :