القاهرة: الخليج هذا الكتاب يضم عملاً يجمع بين ثلاثة من الكبار، الأول المؤلف «سبين روديجز» وهو واحد من أعظم فناني الكوميكس في العالم، والثاني هو المترجم الراحل أحمد خالد توفيق الروائي الأشهر في مجال أدب الشباب في العالم العربي، أما الثالث فهو «تشي جيفارا» أشهر شخصية في القرن العشرين، والكتاب عبارة عن ترجمة لسيرة جيفارا المصورة، والكتاب مملوء بالدراما، حيث يلقي الرسام والمؤلف «روديجز» الضوء على حياة «تشي» والخبرات التي شكلت شخصيته، منذ أن قام برحلته على دراجة بخارية عبر أمريكا اللاتينية، حتى بروزه قائداً بجانب فيدل كاسترو، ورحلاته في إفريقيا، وموته في بوليفيا. برغم أن «تشي» مات في سن التاسعة والثلاثين، فإن صورته لا تزال حية، لكن ما علاقة الصورة بالرجل؟ هذا الكتاب «تشي جيفارا.. سيرة مصورة» يربط حياة تشي بصورته، لو عدنا بنظرنا لنرى كيف استخدمت صورته كنموذج صلب للثورة، ورمز غامض للتمرد، فإننا نعرف من هو، وكيف استعملت صورته عبر الزمن، وبينما درس بعض الكتاب القوة البصرية لصورة تشي الأيقونية، ودرس بعضهم الأهمية التاريخية لحياته، فإن قليلين قاموا بجمع هذين العنصرين كما فعل «سبين روديجز» هنا. إن صورة تشي تتخذ أشكالاً متنوعة، إلا أن زيه النموذجي الذي ارتداه في ثورة كوبا أول مرة بالبزة العسكرية والبيريه والنجمة، والسيجار واللحية غير المشذبة، يجعل المرء يعرفه على الفور، بالإضافة إلى هذا فإن رواج الملصقات السياسية في أواخر الستينات، أتاح الفرصة لانتشار ورواج صور «تشي» لكن كيف تتفق المكونات التي تصنع أيقونة «تشي» مع حياته؟ كانت الثورة الكوبية ظاهرة خلقت صوراً أيقونية، استرعت انتباه العالم، وكان تشي مواطناً عالمياً، وكانت صورته الشخصية ظاهرة عالمية، وعن طريق الناشر «فلترينللي» تم توزيع الصورة التي التقطت في إيطاليا، وفي العام 1968 لوح بها الطلبة المحتجون في مظاهراتهم، وزينت الملصقات في فيتنام، كان وجه «تشي» مألوفاً لدرجة أنه سافر من كوبا متنكراً، وغير شخصيته مراراً، يتذكر «أحمد بن بيلا» رئيس الجزائر الأسبق، كيف ساعدته صورة «تشي» على التماسك عندما كان في السجن، كما احتفظت النسوة الفقيرات في بوليفيا بخصلات من شعره بعد موته. إن موت «تشي» العنيف والسابق للأوان، جعل منه صورة ذات أبعاد أسطورية، واهتمت به جماعات اليسار الجديد، واستعملت صورته للتعبير عن التضامن مع الثورة الكوبية، كانت طبيعة «تشي» المتمردة ومظهره قد صارا رمزاً جمالياً للثقافة المضادة في الستينات، وبعد فترة هدوء في السبعينات والثمانينات صاحبها إنهاك ظاهري في المزاج الثوري العام، عادت الصورة للانتشار كما كانت بالضبط في الأيام التالية لوفاته. إن افتتان التسعينات بكل ما يمت للستينات بصلة، وانتشار القمصان التي تحمل رسالة سياسية، أديا لعودة صورة تشي، وبرغم أن صورته لا تزال تزين غرف نوم الطلاب، فإن وجود صورته على البضائع الاستهلاكية، يوحي بأنها تستخدم للتجارة، وقد دخلت في ثقافة المشاهير، فأكثر من يرون الصورة أو يلبسون القميص، لا يعرفون من هو «تشي» ولا ما فعله، لكن البعض يعتبرونه بطلاً، وهذا الجدل حول حياته يوحي بأن صورته لم تفقد معناها. صارت صورة «تشي» ذات طابع تجاري، وقد شجب الناقد الفني الكوبي جيراردو ماسكيرا ما سماه «التحقير التجاري الكامل» لتشي، بينما قاضى المصور كوردا قبل موته في عام 2001 شركة الفودكا التي استعملت صورته في إعلان وقال: «كمؤيد للقيم التي مات تشي جيفارا من أجلها لا مانع عندي من استخدام الصورة لدى من يريدون نشر ذكراه وقضيته عبر العالم لكنني ضد أي استغلال لصورة تشي لترويج منتجات كالكحول، أو أي غرض يسيء لسمعته». تعرضت صورة «تشي» للكثير من محاكاة ما بعد الحداثة، وهذا ما يميز ثقافة الجموع حالياً، وبرغم هذا لا يزال العالم ينظر إليه كنموذج للمثالية، ولا يزال الجدل دائراً بصدد تشي وصورته بلا نهاية، على مرأى البصر، وكما يوضح عمل «سبين روديجز» الفني فإن فهم حياة تشي وتطور صورته هما الخطوتان الأوليان نحو استخدام قوتها لترويض القوى الاجتماعية المتحولة في العالم اليوم.
مشاركة :