تظل سيرة القائد العسكري المغربي طارق بن زياد محل اهتمام واحترام، لما تمتع به الرجل من قوة وشجاعة مكنته من العبور بجيوشه البحر لشمال إسبانيا، والتي عرفت فيما بعد باسم "الأندلس"، حيث عبرت إليها مجموعة من القبائل العربية التي وطدت الوجود العربي هناك، وساهمت في تكوين حضارة وثقافة عربية خاصة مازالت آثارها باقية حتى اليوم. طارق بن زياد الذي تحل ذكرى نجاحه في حُكم شمال إسبانيا في بداية غزوه لشبه الجزيزة الأيبرية، اليوم الثلاثاء، بزغت براعته العسكرية مبكرا، لكن المتابع لتاريخه يجد أن ثمة روايتين معلقتين ولا يتمتعان باليقين الكامل، لكنهما على أي حالا يشيران إلى دلالات واضحة، حيث تشير الأولى إلى مهارته العسكرية، بينما الثانية تتساءل عن مصير مثل ذلك القائد الشجاع.تحكي الرواية الأولى قصة عبور ابن زياد البحر قادمًا من المغرب العربى، فى أكبر معارك شهدها العرب للعبور إلى بلاد الفرنجة، وبسط نفوذهم فى الآفاق، وصل إلى البر فأمر جنده بإحراق السفن، بهدف تشجيع الجند على الاستبسال فى القتال، ثم وقف فى الجند خطيبًا قائلا بعدما حمد الله وأثنى عليه: «أيها الناس، أين المَفَرُّ؟ البحرُ من ورائكم، والعدوُّ أمامَكم وليس لكم واللَّهِ إلا الصدقُ والصَبْرُ. واعلموا أنكم فى هذه الجزيرة أَضْيَعُ من الأيتام فى مَأْدُبَةِ اللِّئام، وقد اسْتَقْبَلَكم عدوّكم بِجَيْشِهِ وأَسْلِحَتِهِ، وأَقْواتُه موفورةٌ، وأنتم لا وَزَرَ لكم إلا سيوفُكم ولا أقواتَ إلا ما تَسْتَخْلِصُونَه من أيدِى عدوِّكم، وإِن امْتَدِّتْ بكم الأيامُ على افتقارِكم ولم تُنْجِزوا لكم أمرًا ذهبتْ رِيحُكم، وتَعَوّضَتِ القلوبُ من رُعْبِها منكم الجَرَاءَةَ عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خُذْلانَ هذه العاقبة من أمركم بِمُنَاجَزَةِ هذا الطاغية».ويشكك البعض فى الروايات التاريخية التى تدور حول إحراق السفن بحجة أن هذا لا يعد من الحصافة والفطنة فى شيء، وأيضا أن أول ظهور للرواية فى المصادر العربية كان بعد المعارك الحربية بقرابة الخمسة قرون، بينما يعدها آخرون مغامرة من قائد مغوار يحتال للأمور لكي يسجل انتصارا تاريخيًا.أما الرواية الثانية فتتعلق بمصير "طارق" وتقول إن خلافا كبيرا وقع بينه وبين قائده موسى بن نصير، وأن الأخير اتهمه بأنه يباشر الحروب من رأسه، دون العودة إليه، وأنه اختلس بعض مغانم الحروب، وقد استدعاهما الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك إلى الشام فلما ذهب "طارق" إلى هناك اختفت أخباره وتضاربت الأقاويل حول نهايته، فهناك من يقول إنه قُتل، وهناك من يقول إنه انقطع للعبادة والصلاة في الشام، وآخر يرى أنه واجه مصيرا صعبًا فلم يكن يجد قوت يومه ووصل به الحال لأن يتكفف الناس.لا يملك أحد القطع بالنهاية الحقيقية لمصير قائد عبقري مثل طارق بن زياد، لكن الواضح أنه تعرض لظلم كبير بعد كل الحروب التي شنها وساعدت العرب في العبور إلى بلاد الفرنجة، ومن العجيب أن يتعرض موسى بن نصير لمثل هذا المصير حيث يقع بينه وبين الخليفة نزاع ويتهمه الأخير باختلاس الأموال ويأمر بتقييده وتغريمه، ولم ينل ابن نصير الرأفة غلا بعدما تشفع له القائد العسكري يزيد بن المهلب.على كل حال، فإن طارق بن زياد كان أهم قادة جيش موسى بن نصير الذى سيره الخليفة الوليد بن عبدالملك لحروب شمال أفريقيا، وقد عبر المضيق ووصل إلى الصخرة الكبيرة، أو الجبل الذى عرف باسم ذلك القائد الشجاع.
مشاركة :