لا تزال أسعار النفط تتعرض لضغوط من المخاوف المستمرة بشأن الطلب؛ حيث قلصت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين من فرص النمو الاقتصادي العالمي. وفي الوقت نفسه فشلت اضطرابات الشرق الأوسط حتى الآن في إعطاء دفعة قوية لأسعار النفط إلى أعلى. وهددت إيران، بإعادة تشغيل أجهزة الطرد المركزي المعطلة وتصعيد تخصيب اليورانيوم إلى 20% في خطوة تهدد الاتفاقية النووية لعام 2015، التي تخلت عنها واشنطن العام الماضي. وعلى النحو الآخر، فرضت واشنطن عقوبات تقضي على الفوائد التي كان من المفترض أن تحصل عليها إيران مقابل الموافقة على فرض قيود على برنامجها النووي بموجب اتفاق عام 2015 مع القوى العالمية. وعلى صعيد توقعات الطلب على النفط، يتوقع بنك جولدمان ساكس أن يتجاوز النمو في إنتاج النفط الصخري الأمريكي، الطلب العالمي على الأقل حتى عام 2020؛ بما يحد من المكاسب في أسعار النفط على الرغم من القيود المفروضة على الإنتاج بقيادة منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك». مخاوف وكدلالةً على ضعف الاقتصاد العالمي، تتراجع طلبات الآلات الأساسية في اليابان للمرة الأولى منذ أربعة أشهر في شهر مايو الماضي، وهو أكبر انخفاض شهري خلال ثمانية أشهر في إشارة مقلقة إلى أن التوترات التجارية العالمية تؤثر على استثمارات الشركات. كذلك أشار جولدمان ساكس، في مذكرة، إلى أن إنتاج النفط الأمريكي من المقرر أن يرتفع بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً في عام 2019 و1.2 مليون برميل إضافية يومياً في عام 2020؛ مقارنةً بتوقعات نمو الطلب العالمي البالغة 0.8 مليون برميل يوميًا و 1.6 مليون برميل يوميًا على التوالي خلال الفترات نفسها. وأضافت الولايات المتحدة 246 ألف برميل يوميًا من الإمدادات الجديدة في أبريل الماضي، وتتوقع إدارة معلومات الطاقة أن ينمو الإنتاج بمقدار 70 ألف برميل آخر في يوليو الجاري. ومن المتوقع أن يتجاوز نمو النفط الصخري نمو الطلب مما يُلقي بظلاله على أسعار النفط، وذلك على الرغم من حقيقة أن أوبك والدول غير الأعضاء في أوبك اتفقت على تخفيضات الإنتاج في نهاية مارس 2020. ويستمر خفض الإنتاج حتى شهر مارس المقبل، وهي خطوة مصممة خصيصًا لفحص أسعار النفط التي تتراجع بسبب زيادة الإنتاج؛ حيث تواصل الولايات المتحدة تعزيز إنتاج النفط. ومن ناحية أخرى، قال جولدمان ساكس إن التزام أوبك المستمر بتقليص الإنتاج لإعادة التوازن إلى السوق سيحد من الجانب السلبي لأسعار النفط حتى عام 2020. ونظرًا لأثر نمو النفط الصخري الأمريكي الأقوى من نمو الطلب على النفط، ترك بنك جولدمان ساكس توقعات أسعار النفط لعام 2020 دون تغيير - عند 60 دولارًا أمريكيًا للبرميل الواحد لخام برنت وعند 55.50 دولارًا أمريكيًا للبرميل الواحد من خام غرب تكساس الوسيط. وتلك الأسعار أقل قليلًا من الأسعار الحالية؛ حيث يتم تداول خام برنت عند نحو 64 دولارًا أمريكيًا وخام غرب تكساس الوسيط عند 57.50 دولار أمريكي. في يونيو الماضي، قال «جولدمان ساكس» إن المخاوف من تباطؤ نمو الطلب على النفط كانت «أكبر محرك لتراجع خلال الشهر الماضي»، في حين حذرت البنوك الاستثمارية الأخرى، بما في ذلك باركليز ومورجان ستانلي وبنك أوف أمريكا ميريل لينش من أن قد يرتفع نمو الطلب على النفط هذا العام بأبطأ وتيرة له على الأقل منذ 2011 أو 2012. تصعيد تباينت العقود الآجلة للنفط، يوم الإثنين، مع ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة للجلسة الثالثة على التوالي، في حين أنهى مؤشر برنت القياسي العالمي التداولات مُنخفضًا، مع زيادة المخاوف المحيطة بتراجع الطلب على الطاقة. وارتفع خام غرب تكساس الوسيط 15 سنتًا؛ ليستقر عند 57.66 دولار للبرميل، مسجلًا مكاسب للجلسة الثالثة على التوالي. وعلى النحو الآخر فقد خام برنت العالمي 12سنتًا، إلى 64.11 دولار للبرميل في بورصة أوروبا للعقود الآجلة. وقال فيل فلين، كبير محللي السوق في مجموعة برايس فيوتشرز جروب، إن التوترات الجيوسياسية مع إيران قد اشتدت، في حين يبدو أن توقعات الطلب على النفط تتراجع. وأشار فلين إلى أن تصريح إيران بنيتها تخصيب اليورانيوم أعلى من المستويات المتفق عليها في الاتفاق النووي الإيراني. قائلًا: «إنهم يهددون أيضًا بالانتقام لأن الولايات المتحدة استولت على ناقلة نفط إيرانية». ويقول كارستن فريتش، محلل الطاقة لدى كومرز بنك: «إن انتهاك إيران للاتفاقية النووية يمكن أن يدفع أوروبا الآن إلى فرض عقوبات على إيران أيضًا. على سبيل المثال، يمكن أن يفرض الاتحاد الأوروبي حظراً على صادرات النفط من إيران، كما فعل بين عامي 2012 و 2015». لكن من غير المُحتمل أن يكون لعقوبات أوروبا على إيران أي تأثير مباشر؛ لأن الأوروبيين على أي حال لم يشتروا أي نفط إيراني منذ نهاية عام 2018 بسبب العقوبات الأمريكية؛ وهذا هو أحد الأسباب المفترضة لعدم استجابة إيران للإنذار بفرض عقوبات أوروبية عليها. سيناريوهات يعتمد تأثير إغلاق مضيق هرمز على أسعار النفط العالمية بشكل واضح على كمية النفط المحجوزة في السوق العالمية على أساس يومي ومدة الانقطاع، علماً بأن ما يقرب من 22.5 مليون برميل من النفط تمر عبر مضيق هرمز كل يوم منذ بداية عام 2018، أي ما يقرب من 24% من إنتاج النفط اليومي في العالم. لذا، فإن أي تعطيل قد يؤدي إلى تفاوت العرض والطلب؛ ما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع أسعار النفط. وهناك سيناريوهان مُحتملان لأسعار النفط في ضوء الاضطرابات الراهنة في الشرق الأوسط: في السيناريو المتفائل؛ حيث يكون مضيق هرمز مغلقًا أمام حركة المرور التجارية فقط لبضعة أيام، سيكون التأثير على إمدادات النفط العالمية ضئيلًا نسبيًا، لكننا سنشهد ارتفاعًا طفيفًا فوق 100 دولار للبرميل بسبب حالة عدم اليقين الأولية، ثم تنخفض أسعار النفط بسرعة إلى مستويات ما قبل الأزمة. حيث سيتم تقليص تدفق 20.7 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات البترولية إذا تم إغلاق مضيق هرمز بالكامل، لكن سيتم تخفيف ذلك بحوالي 4 ملايين برميل من النفط الخام التي يتم شحنها على خط أنابيب احتياطية حاليًا عبر السعودية، ومرافق التصدير في البحر الأحمر وخط أنابيب أبو ظبي للنفط الخام عبر مضيق هرمز. بالإضافة إلى ذلك، قامت المملكة بتخزين كمية غير معلنة، وإن كانت صغيرة نسبيًا، من النفط الخام في عدد من منشآت التخزين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك روتردام في أوروبا، وأوكيناوا والصين في آسيا، وساحل الخليج الأمريكي. ووفقًا للسيناريو المتشائم، على افتراض أن مضيق هرمز مغلق تمامًا لأكثر من شهر، وسترتفع أسعار النفط الخام تاريخيًا على أساس معدل التضخم الحالي. سيكون احتياطي النفط الاستراتيجي العالمي في هذه الحالة غير كافي لتغطية النقص في الإمدادات، مع زيادة معدل السحب اليومي من الاحتياطيات الاستراتيجية سيشكل تحديًا. واستنادًا إلى دراسة أجراها مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية، في أبريل 2018، في عالم خالٍ من الطاقة النفطية الفائضة - وهو ما سيكون عليه الحال بالفعل مع إغلاق مضيق هرمز- سترتفع أسعار النفط إلى مستويات تاريخية مثلما حدث في أوج الأزمة الليبية في يونيو 2011، وهو ما أدى إلى إطلاق 60 مليون برميل من مخزونات وكالة الطاقة الدولية خلال تلك الأزمة.
مشاركة :