أنهت بطولة كوبا أميركا فعالياتها في نسخة جديدة حملت الكثير من المفاجآت أو الشدّ العصبي للاعبي منتخبات أميركا الجنوبية المشاركة والتي راهنت جميعا على حصد لقبها، لكنها في المقابل تركت انطباعا سيئا تعكسه العديد من المؤشرات السلبية لدورة هذا العام 2019. ومن بين المؤشرات اللافتة للنظر في هذه البطولة هو انخفاض معدل حضور المشجعين وقرارات التحكيم المثيرة للجدل وافتقار البطولة لجذب الأضواء، في وقت حظيت فيه بطولة كأس العالم للسيدات والكأس الذهبية بنسب مشاهدة عالية. وفي مثال صارخ على الفرق الشاسع بين البطولتين من حيث الاستئثار بمعدل المشاهدة الجماهيرية، فإن عدد المشجعين في مباراة المكسيك أمام هايتي في الكأس الذهبية في فينكس مثلا كان أكبر من عدد الجماهير الموجودة في قمة البرازيل أمام الأرجنتين في لقاء نصف النهائي. وقد عكست ذلك بوضوح حالة كرة القدم في أميركا الجنوبية، حيث سرعان ما يتم نسيان لحظات من المهارات الفردية الرائعة بسبب التدخلات العنيفة والجدل الذي لا ينتهي حول قرارات الحكام. ومثلت القرارات التحكيمية في بطولة كوبا أميركا نقطة سوداء، حيث تعالت الأصوات المنتقدة للحكام خصوصا في لقاء الغريمين البرازيل والأرجنتين في نصف النهائي. وكان النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي قد وجه سهام نقده لاتحاد أميركا الجنوبية، وقال في تصريح بعد لقاء منتخب بلاده أمام البرازيل “الحكام يحتسبون العديد من المخالفات الغبية في هذه البطولة، لكن اليوم لم تتم استشارة حكم الفيديو المساعد ولو مرة واحدة”. وأضاف أيقونة برشلونة “أتمنى أن يكون هناك موقف قوي من كونميبول (اتحاد أميركا الجنوبية لكرة القدم) ضد هؤلاء الحكام الذين يتسببون في عدم توازن الملعب عن طريق الانحياز لفريق.. لكن أعتقد أنه لا طائل مما أقوله، لأن البرازيل تتحكم في شؤون هذا الاتحاد، فالأمر معقد”. وطالبت الأرجنتين دون جدوى بالحصول على ركلتي جزاء أمام البرازيل وشعرت بغضب شديد بسبب عدم النقاش حتى مع حكم الفيديو المساعد، رغم واقع توقف الكثير من المباريات بسبب هذا الأمر. 38 مباراة ودية خاضتها منتخبات أميركا الجنوبية العشرة من بينها مباراتان فقط ضد أوروبا وزاد شعور الغضب لدى الأرجنتين بعد بطاقة حمراء مثيرة للجدل للنجم ميسي في مباراة تحديد صاحب المركز الثالث أمام تشيلي. وكشف هذا الغضب، إضافة إلى اتهام ميسي لاتحاد أميركا الجنوبية بتسهيل مهمة أصحاب الأرض، أنه مهما زاد عدد اللاعبين الموهوبين في أميركا الجنوبية، فإن الأحداث خارج الملعب عادة ما تطغى على الحدث الرياضي في حد ذاته. وحدثت كل هذه الأمور قبل مرور عام واحد على قرار اتحاد أميركا الجنوبية بسبب شغب المشجعين في بوينس آيرس، نقل نهائي كوبا ليبرتادوريس للأندية إلى مدريد. كما تسببت أسعار التذاكر الباهظة في تواضع الحضور الجماهيري، ومن الصعب شرح سبب هبوط المستوى لكن المؤشرات تبدو واضحة. ويضاف إلى سجل هذه البطولة المتواضع جماهيريا والأثر السلبي للتحكيم، أنه لم يفز أي منتخب من أميركا الجنوبية بكأس العالم منذ 2002، وهو رقم سلبي كما أنه ظهر منتخب واحد فقط من القارة الجنوبية من بين آخر ثمانية منتخبات بلغت النهائي رغم واقع حصد هذه القارة خلال القرن الماضي لنصف عدد الألقاب. وعلى مستوى الأندية يبدو الأمر أسوأ، حيث لم يحرز أي فريق من أميركا الجنوبية لقب كأس العالم للأندية منذ 2007، وفي نسختين في آخر ثلاث سنوات لم يترشح أي فريق من أميركا الجنوبية في المباراة النهائية. ويفسّر المتابعون ذلك ويقدمون العديد من الأسباب المؤثرة لعل من بينها رحيل المواهب الشابة إلى أوروبا، لكن ما ساهم أيضا في التراجع ربما هو إطلاق مسابقة دوري الأمم الأوروبية لأنها جعلت منتخبات أميركا الجنوبية منعزلة كثيرا عن أفضل منتخبات العالم. وكشفت دراسة الشهر الماضي أن خلال عام 2019 لعبت منتخبات أميركا الجنوبية العشرة 38 مباراة ودية من بينها مباراتان فقط ضد أوروبا.
مشاركة :