بلد الخمسة عشر مليون نخلة شهيدة

  • 7/11/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بلد الخمسة عشر مليون نخلة شهيدةصباح ناهيتعرض نخل العراق للإصابة بكل أنواع الأسلحة المحرمة، فكان الشهيد الأول في الحرب على العراق، قبل سكان مدنه وقراه في اعتداء صارخ على بيئته وعطائه الثرّ.إرث طويل من علاقة الإنسان بالنخل‎ظل العراقيون قرونا يرددون بأنهم بلد النخل ويتفاخرون، بأن لديهم ثلاثين مليون نخلة، أكثر من عدد سكانه وجلها في المحافظات الحارة كالبصرة، بل يتغنون بألف صنف من التمور بمذاقات متنوعة.وما كان أحد يتعالى على نخل العراق ولا على جودته، حتى صار مضرب الأمثال قرونا، وغدت النخلة رمزا يوازي النشيد الوطني العراقي، وتوضع صورتها على العملة، ويختارها الفنانون رمزا لحضارة وادي الرافدين.‎ويعود تاريخ زراعة النخل في العراق في أول ظهور موثق لها إلى الحضارة السومرية قبل ستة آلاف عام، حيث وثقت في الأختام السومرية التي تملأ المتحف العراقي.وقد وضع حمورابي في مسلته الشهيرة وقوانينه قبل ما يقرب من ثلاثة آلاف سنة، سبعة قوانين متعلقة بزراعة النخيل وإلزام الناس باحترام النخلة وأمر المزارعين بتلقيح النخل وفرض عقوبات على المخالفين وعلى مُلاك البساتين. وقد حذا الأشوريون من بعده حذوه، وأسسوا حضارة عظيمة قائمة على تقديس أربعة أشياء وهي: النخلة والمحراث والثور المجنح والشجرة المقدسة.أمام هذا الإرث الطويل من علاقة الإنسان بالنخل، أجمعت حضارات وادي الرافدين على تقديس النخل وحرّمت تجريفه وسوء معاملته، لكن السياسة والحروب لعبتا خلال الخمسين عاما الماضية على إبادة أكثر من خمسة عشر مليون نخلة، وتناقصت أعدادها بصورة مروعة وكارثية، حين قصفت مزارع النخل التي احتمت بها الجيوش لتؤمن التخفي حينا وضمان المؤنة أحياناً، وتأمين سير القطعات وانفتاحها، ووضع المرابض العسكرية، تحت ظلالها الوارفة، فكان النخل الدرع الأول في صد القذائف والشظايا، فقتلت الملايين منها حين أصيبت، وسقطت ومات الكثير منها واقفا.لقد تعرض نخل العراق للإصابة بكل أنواع الأسلحة المحرمة، فكان الشهيد الأول في الحرب على العراق، قبل سكان مدنه وقراه في اعتداء صارخ على بيئته وعطائه الثرّ.رأيت صورا مأساوية عن قتل النخل في قلب العاصمة بغداد حيث تجرف مساحات واسعة من بساتين النخيل لتحوّل إلى شواغل للسكن. وعاينت فيلما مؤلما في البصرة عن اقتلاع نخيل البصرة، لغرض توسيع حقول النفط الذي لا يعرف عامة العراقيين إلى أين تذهب موارده.وتم نزع مساحات شاسعة من بساتين النخيل بلا رحمة أو شعور بأي مسؤولية بيئية أو أخلاقية أو فهم تاريخي لقيمة نخل العراق الذي مازال يستشهد كل يوم، رغم وقف الحرب؟كاتب عراقي

مشاركة :