كانت الإسكندرية دوما مقصدا لكل طامع فى أرض الكنانة، ومدخلا للراغبين فى احتلال مصر خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، وتبينت تلك الحقيقة إبان الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت «١٧٩٨:١٨٠١»، والتى بدأت بقصف عروس البحر المتوسط ولما استتب لهم الأمر دخلوا إلى الإسكندرية.وبعد تلك الحملة التى باءت بالفشل نتيجة للمقاومة الباسلة لجميع أطياف الشعب المصري، جاءت بريطانيا بأسطولها الكبير العملاق فى العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر، لتبدأ عهد احتلال لمصر استمر ما يقرب من ٧٥ عاما.وبدأت خطوات بريطانيا لاحتلال مصر فى عام ١٨٨٢ بذريعة أن هناك بعض الأعمال التى تجرى فى ميناء الإسكندرية، تؤدى إلى إغلاق البوغاز. ولتفويت تلك الفرصة أرسل أحمد عرابى قائد البحرية المصرية إلى رئاسة الأسطول لتوضيح الأمر بأن هذا الادعاء كاذب.وفى كتاب «الثورة العرابية فى الميزان» يسرد المؤرخ حسن حافظ عن تلك المقابلة، قائلا: «شهد بذلك الأميرال كونراد قائد أسطول الفرنسى بمياه الإسكندرية الذى أبلغ حكومته الأمر، فقررت على لسان وزير خارجيتها أن تصرف الأميرال الإنجليزى بهذه الصورة يعد عملا عدائيا هجوميا ضد مصر وأن البرلمان الفرنسى يعارض خرق مبدأ حرية الشعوب، وأنه بناء على ذلك صدر الأمر إلى الأسطول الفرنسى بالانسحاب من المياه المصرية، إذا ما كان هناك تصميم على إطلاق المدافع».وفى مثل هذا اليوم العاشر من يوليو من عام ١٨٨٢ أرسلت بريطانيا إنذارا لقائد حامية الإسكندرية بوقف عمليات التحصين والتجديد وإنزال المدافع الموجودة فيها، وكانت هذه التصرفات مقدمة لضرب المدينة.وبعد وصول الإنذار عُقد اجتماع حضره كبار رجال الدولة آنذاك، وبحضور الخديوى توفيق، وكان رأى البعض التسليم بلا قيد أو شرط، لكن فى نهاية الاجتماع صدر بيان ردًا على الإنذار البريطانى، جاء فيه «لم تفعل مصر شيئا يقتضى إرسال هذه الأساطيل المتجمعة، ولم تقم السلطة المدنية أو العسكرية بأى عمل يسوغ مطالب الأميرال، سوى أنها قامت ببعض الترميمات الاضطرارية فى أبنية قديمة، ونحن هنا فى بيتنا ووطننا.ومصر الحريصة على حقوقها وعلى شرفها ولا تستطيع أن تسلم أى مدفع أو أية طابية دون أن تُكره على ذلك بحكم السلاح، فهى لذلك تحتج على بلاغكم وتحملكم مسئولية هجوم الأساطيل، وإطلاق المدافع على بلد آمن ينعم بالسلام وأيضا تقرر مصر من قبول المسألة قبول إنزال ثلاثة مدافع يختارها الأميرال ولن تجاوب المدفعية المصرية على مدافع الأسطول إلا بعد إطلاق الطلقة العاشرة».إلا أن البريطانيين لم يبالوا بهذا البيان الذى يدعو للسلم والاستقرار وضربوا الأسطول فى اليوم التالى الحادى عشر من يوليو من عام ١٨٨٢ وبرغم التفوق الساحق للأسطول الإنجليزى على الجيش المصرى، إلا أن الجنود المصريين أبدوا مقاومة باسلة ويروى الكاتب البريطانى البارون دكيوزل فى كتابه «ذكريات رجل إنجليزى عن مصر»: «لقد ثبت جنود المدفعية المصرية فى مواقعهم أمام نيران الأسطول الهائلة الفتاكة ثباتا دل على بسالتهم وبطولتهم النادرة».
مشاركة :