أرسل الشاب مصطفى عبدالوهاب إشارة إلى قيادة المقاومة السرية عبر جهاز اللاسلكى، تقول: «خرج آخر جندى من الأعداء عن أرض بورسعيد». كان البلاغ في الساعة السابعة وخمسين دقيقة مساء، مثل هذا اليوم فأبلغت المقاومة الإشارة إلى القيادة في القاهرة فورًا، قبل نشرة أخبار الساعة الثامنة مساء، إلا أن القيادة أذاعته في اليوم التالى ٢٣ ديسمبر. قصة «عبدالوهاب» نموذج لبطولات كثيرة خاضها أبناء بورسعيد خلال مقاومتهم للعدوان الثلاثى «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل» ضد مصر عام ١٩٥٦، ويكشف الدكتور يحيى الشاعر عن تفاصيل قصة «عبدالوهاب» وبلاغه في كتاب «الأطلس التاريخى لبطولات بورسعيد أثناء العدوان الثلاثى ١٩٥٦»، إعداد ضياء الدين حسن القاضى. ويصف «عبدالوهاب» بقوله: «وطنى كبير جدًّا، خريج مدرسة بورسعيد الثانوية، ووالده كان يعمل قبطانًا بشركة قناة السويس ووالدته إيطالية، وكانت ملامحه أجنبية، وبعد ضغط المقاومة على القوات المعتدية، بدأ الإنجليز في الانسحاب من المدينة تجاه الميناء في شريط ضيق محاط بالأسلاك الشائكة. أمام هذا التحول في صالح المقاومة، صدرت الأوامر من القاهرة إلى قيادة المقاومة في بورسعيد برصد تحركات قوات الأعداء، فاستدعى الرائد سمير غانم، قائد المخابرات الحربية في بورسعيد، يحيى الشاعر، الساعد الأيمن للرائد مصطفى كمال الصياد، رئيس مجموعات المقاومة السرية، الذى صدرت له الأوامر بالاختفاء بعد عملية اختطاف الضابط «مورهاوس» التى نفذتها مجموعة بقيادة «محمد حمد الله»، وعملية قتل الميجور «ويليامز» ونفذها البطل سيد عسران. وفور أن تلقى «الشاعر» كلام الرائد سمير غانم، قفز إلى ذهنه صديقه «مصطفى»، وعلى الفور طلبه للقاء عاجل في بيت «الشاعر» الذى يختفى فيه «غانم»، وكان هذا البيت بسيدته البطلة الجليلة «أم يحيى» من الأماكن التى تختبئ فيها قيادة المقاومة، وفيه جهاز اللاسلكى الوحيد الذى تتصل المقاومة في بورسعيد عبره بالقيادة في القاهرة، وظل الضابط المسئول عنه «فرج محمد فرج» مختبئًا في البيت. اعتلت الدهشة «سمير غانم» فور أن شاهد مصطفى عبدالوهاب، وظن «غانم» أنه إنجليزي ولم تذهب دهشته إلا عندما تحدث باللغة العربية، وكان سعد عفرة «أحد قيادات المقاومة من ضباط المخابرات» موجودًا، وبعد أن زالت دهشة «غانم» بدأت عملية تدريب «عبدالوهاب» على إمكانية إعطاء إشارات المورس بجهاز لاسلكى صغير ينقل المعلومات عن كل تحرك للقوات البريطانية وتجمعها، وبدأ بالفعل هذه المهمة من أول ديسمبر ١٩٥٦. كان «عبدالوهاب» يسكن في منزل «روزا عون» في شارع ٢٣ يوليو عند أكبر نقطة للأختام بالدور الخامس القريب من الميناء، وحسب تأكيد «الشاعر»: «كانت بلاغاته في غاية من الأهمية، لأنها كانت ترصد جميع التحركات البريطانية بالدقيقة والساعة حتى آخر خروج جندى بريطانى، وكانت بلاغاته تبلغ فورًا للقيادة بالقاهرة، حتى كان بلاغه بخروج آخر جندى بريطانى عن أرض بورسعيد».
مشاركة :