وفقا لفلسفة الغترة والعقال، فالعقال مهمته تثبيت الغترة، و"الطاقية" لتثبيت العقال، والغترة لتثبيت الطاقية! وهذا ليس الاستخدام الوحيد للعقال، فهذه الصورة توضح بما لا يدع مجالا للشك، أن له مآرب أخرى، وخاصة أنه جزء من ثوابتنا وعاداتنا! قبل أيام رفض وزير الصحة أحمد الخطيب تصرفاً قام به أحد المواطنين في حضوره، بعدما رمى عقاله نخوة به، من أجل الموافقة على نقل زوجته التي تعمل بالقطاع الصحي في المنطقة الشرقية إلى عرعر. حادثة رمي العقال ليست بالجديدة، ففي العام الماضي كشف أحد مديري الشؤون الاجتماعية أنه أثناء زيارته لمسؤولين في إحدى الشركات العاملة، رمى بعقاله على مالك إحدى الفلل لتوقيع عقد فوري لإعادة 180 فتاة من اليتيمات الملتحقات بدار التربية الاجتماعية من الشارع منتصف الليل وإيوائهن، وبين أنه أنهى بذلك مشكلة نقل اليتيمات من مقرهن في منطقة عشوائية. وأوضح أن هذا السيناريو امتد قرابة 24 ساعة لإنهاء هذه المشكلة، وواجه عدة عقبات نجح في حلها بجهود وتدخلات لا تحتمل المكاتبات والبيروقراطية، ولم تصل الساعة 11 ليلا حتى اطمأن أن جميع الفتيات انتقلن إلى مقر آمن. ولك أن تتخيل ماذا لو عملنا برنامج "رمي العقال"، يعني إذا ذهبت إلى السوق مثلا ترمي عقالك على الكاشير حتى لا تدفع، أو أنك ترمي العقال على محطة البنزين لأنك ناسي "البوك"! تبقى مشكلة المقيم الذي لا يلبس عقالا! في الحقيقة رمي العقال ليس هو الوسيلة الوحيدة للحلول، فهو امتداد لثقافة "كتابة المعاريض" التي يعبر فيها المواطن عن معاناة خاصة يصعب شرحها شفهياً على المسؤول المباشر، وتحتوي في مضمونها على استمالة عطف المسؤول، من أجل الحصول على حقٍ سُلب منه، أو خدمة امتنعت مؤسسات حكومية عن تقديمها له، إما قبول أو رفض المعروض. لو بحثنا في حقيقة الأمر لوجدنا أن هذا الاستجداء والاستعطاف للحصول على خدمات أو استثناءات من قبل بعض الدوائر الحكومية أو موظف ما، ولّدا مع مرور الزمن ثقافة وقناعة لدى المجتمع بأن مطالبهم لا تتم إلا من خلال التوسل إلى المسؤول على الرغم من أن كثيراً من الإجراءات هي حقوق يمكن الحصول عليها من خلال القنوات الرسمية وبدون هذا النوع من الأساليب. هذه الوسائل انتشرت بسبب عدم مراعاة بعض المسؤولين لحقوق المواطنين؛ مما جعلهم يلجأون إلى المعاريض ورمي العقال للحصول على خدمة ما. السؤال المطروح: ما هي التدابير التي وضعتها الدوائر الحكومية لنشر الثقافة الحقوقية والقانونية للمواطن؟ خاصة إذا عرفنا أن الإحصاءات تشير إلى أن نسبة كبيرة من مجتمعاتنا تجهل ثقافة حقوق الإنسان مع أن أول خطوة في طريق حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها؛ هي التعريف بتلك الحقوق، ونشر ثقافتها، ذلك أن الكثيرين في مجتمعاتنا لا يعرفون الحقوق التي لهم، والواجبات التي عليهم تجاه الآخرين، فلا يطالبون بما لهم، ولا يلتزمون بما عليهم، بسبب الجهل وانعدام المعرفة. رمي العُقل وانتشار المعاريض، ينمّان عن الفوضى وسوء التنظيم، في مجتمع مدني يُفترض أن يحكمه نظام يحفظ للمواطن حقوقه دون الحاجة للتوسّل والاستجداء، فمن غير المعقول ألا يكون بمقدور المواطن نيل أبسط حقوقه بلا معاريض ووساطات ورمي العُقل.
مشاركة :