لمع اسم المفكر العراقي الراحل علي الوردي كمؤرخ وناقد اجتماعي بارز، أدرك مدى معاناة المجتمع العربي من سلبياته وحاول معالجاتها خلال كتبه، اعتز بعروبته كثيرا، كما دافع عن انتمائه للعراق بصورة كبيرة، وعارض تلك الروايات التي تشكك في نسبة بعض الشخصيات التاريخية المهمة للتاريخ العربي أبرزهم شخصية أبي حنيفة النعمان والحلاج المتصوف والعالم اللغوي الجواهري.الوردي، الذي تحل ذكرى وفاته غدا السبت، ناقش قضايا الدين والتعصب خلال كتابه "مهزلة العقل البشري" محاولا من خلال عدة مقالات أن يتعامل مع العقل، وقضايا التاريخ والسياسة، والانتقال من المراحل القاسية التي تشبه القرون الوسطى، والوصول بالعقل لعصور الحضارة الحديثة.وتعليقا على الحالة المرضية التي تصيب المجتمع فتجعله منفصلا عن التطور والتقدم يقول "الوردي" في كتابه "مهزلة العقل البشري": إننا لا نزال متأثرين بقيم البداوة، ومعنى هذا أننا بدو بلباس الحضر، والقيم البدوية ملائمة لحياة الصحراء، لكنها لا تلائم حياة المدنية الجديدة، فالبدوي يحب السمعة الحسنة كثيرًا، والسمعة لا تتأتى له إلا إذا كان نهابًا وهابًا: يغزو القبائل الأخرى ليرجع إلى قبيلته يوزع فيها ما غنم من غيرها.ويتابع "الوردي" أن مشكلتنا اليوم أننا نتشدق بأفكار الحضارة ثم نجري في حياتنا العملية على عادات البداوة، فنحن نريد أن ننهب من جانب لنتمشيخ من الجانب الآخر.وأكد أن المتمدنين يتكالبون كما نتكالب، ولكن تكالبهم يتجه في معظم أمره نحو ناحية الإنتاج الفكري أو المادي، إذ يريد أحدهم أن يبرهن أنه أولى من غيره بالمكانة، أما نحن فنتكالب في سبيل "التمشيخ" ويود أحدنا أن يكون نهابًا وهابًا بدلًا من أن يكون منتجًا أو مبدعًا، ولهذا صار كثير منا ينهبون المال لكي يقيموا به الولائم والحفلات أو يشيدوا به القصور التي تزيد عن حاجتهم عشرات المرات، وحين يفعلون ذلك يقدرهم الناس.كتب "الوردي" العديد من المؤلفات التي تناولت قضايا العقل العربي:"وعاظ السلاطين" و"الأحلام بين العلم والعقيدة" و"منطق ابن خلدون" و"أسطورة الأدب الرفيع" واشتبك بصورة كبيرة مع قضايا الثقافة العربية وناقش مفكري جيله وكانت لديه تعليقات حول كتاب "في الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين.ساءت حالته الصحية بعدما أصيب بمرض السرطان، ورحل عن عالمنا في 13 يوليو عام 1995، تاركًا تراثًا فكريًا واجتماعيًا كبيرًا.
مشاركة :