بامتدادٍ شاسعٍ يمتد على أفق الرؤية، تسكنُ «تلال مدافن دلمون» منذُ آلاف السنين، لتستيقظ مؤخرًا كاسمٍ بارزٍ في وسائل الإعلام العالمية، بوصفها معلماً من معالم التراث العالمي، بعد أن أُدرجت على «قائمة اليونسكو للتراث العالمي»، صبيحة يوم السبت الماضي (6 يوليو)، في اجتماع لجنة التراث الذي انعقد في عاصمة أذربيجان (باكو)، على مدى أحد عشر يوماً، للنظر في ترشيحات إدراج (36) موقعاً جديداً من مختلف أنحاء العالم، منها مواقع طبيعية، وأخرى ثقافية، وثالثة مختلطة (طبيعية وثقافية)، بالإضافة لإقرار عددٍ من المواقع لتكون على قائمة «التراث العالمي المعرض للخطر». مفارقة التلالبنتوءاتٍ بارزةٍ عن سطح الأرض، تشبهُ في تكوينها نتوءات «تلال الشوكولا»، الواقعة في جزيرة (بوهول) الفلبينية، تبرزُ «تلال مدافن دلمون» تلك التي تتقاطعُ مع «تلال الشوكولا» في عددٍ من التشابهات والمفارقات، فالموقعان يتشابهان من حيثُ توزيع المساحة، إذ يمتدان على مساحةً قدرها (20) ميلاً مربعاً، ويملآن الأفق بالتلال، إلى جانب أشكال التلال ونتوءها عن الأرض، فيما يفترقان في الطبيعة المحيطة فالمدافن جرداء والأخرى خضراء، بالإضافة لكون الأخيرة لا تتجاوز ألفا تل، وتتجاوز المدافن عشرات الآلاف، كما أن هناك مفارقة تبدو غريبة، ففي «تلال المدافن» اعتقد علماء الآثار بأنها من صنع الطبيعة، وعن ذلك يقول عالم الآثار الدنماركي (بي في غلوب) «يخيلُ للمرء بأن هذه البثور الناتئة ليست من صنع الإنسان، وأن يد الطبيعة قد صنعتها من رمل الصحراء الذي غلتهُ الشمس الحارقة وحولت كتله إلى فقاعات جافة»، فيما اعتقد المختصون الذين نظروا لـ«تلال الشوكولا» بأنها من فعل الإنسان وليست من إبداع الطبيعة، رغم أن العكس هو الصحيح؛ فليس للإنسان يدٌ في صنع «تلال الشوكولا»، ولهُ كل اليد في صنع «تلال المدافن».إلى ما تشير التلال وما أهميتها؟«تمثل تلال مدافن دلمون شهادة على طريقة دفنٍ فريدة في حضارة دلمون» هذا ما يؤكد عليه البحث المنشور على موقع (هيئة الثقافة)، مضيفاً «نظراً لندرة بقايا المستوطنات باعتبارها مدفونة تحت طبقات سميكة من التربة، فإن تلال مدافن دلمون هي الدليل الأكثر شمولا ووضوحًا على ثقافة دلمون المبكرة»، فيما يوضحُ الباحث عبد العزيز صويلح بأن هذه المدافن «مؤشرُ على وجود اهتمام بالإنسان بعد وفاته، ما يدلُ على وجود مجتمع مترابط، يتكفل فيه كل فرد بضمان العيش والتمتع بالحياة الأخروية»، لذلك «تجهز المدافن بكل المواد اللازمة والهدايا، كي ينطلق المسجى من خلالها إلى العالم الآخر»، وعلى الصعيد الثقافي يرى صويلح أن هذه المدافن «تؤكد بأن الدلمونيين لا يختلفون عن شعوب الحضارات الأخرى في إيمانهم، إذ آمنوا كسكنة بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة، بالحياة ما بعد الموت»، ويشير (غلوب) إلى ذلك، مبيناً البعد القطوسي، إذ يذكر بأن «الخاصية المشتركة لجميع القبور، تعطي انطباعاً بأن تقاليد الدفن كانت تقضي بأن تسجى الجثة على تربة بِكْر لم يُجرَ لمسها»، فيما يذهبُ صويلح إلى استنتاج يؤكد فيه بأن «الميت يوضع في القبر في وضعية القرفصاء، المشابهة لوضعية الجنين في رحم الأم، فيما تأخذُ المدافنُ أشكالاً مقببة، وهي ظاهرة يمتازُ بها الدلمونيون وحدهم، إذ اعتقدوا بأن الميت كي يبعث من جديد، لابد أن يكون على نفس صورة الجنين».أما بناة هذه المدافن، فقد أكدت العديد من الدراسات بأنهم سكان البحرين القدامى، وهذا ما يشير إليه الباحث رضا الهاشمي، في بحث لهُ بعنوان «جوانب من تاريخ الخليج العربي في عصور ما قبل الإسلام؛ المدافن الخليجية ومدلولاتها الحضارية»، مضيفاً «نستطيع أن نطلق عليهم تسمية (الدلمونيين) نسبة إلى (دلمون) اسم بلادهم القديم»، ويرى الباحث عبد الجبار السامرائي، في بحثه «الطعوس؛ مدافن البحرين»، بأنهُ ونظراً للاهتمام الكبير بالأموات لدى أهل دلمون «لذلك كان لابد من وجود فئة متخصصة في بناء القبور وإقامة التلال عليها، فئة ربما كانت من البحرين بالذات، أو أنها فئة جاءت إليها من الخارج، لتنقل معها عادات وتقاليد ومراسيم الدفن من البلدان التي قدمت منها»، أما البحث المنشور على موقع الهيئة، فيشير إلى أن البناة هم سكان البحرين القدامى، إذ يبين «فهم سكان البحرين القدامى التكوين الجيولوجي الخاص للجزيرة واستخدموا الأراضي الأقل خصوبة لبناء هذه المدافن غير العادية. وبذلك استطاعوا بناء تلال المدافن الأكبر والأكثر كثافةً في العالم على الإطلاق»، وبالعودة للسامرائي، نجدهُ يؤكد بأن مجاميع المدافن «تعد من أكبر المدافن التي عرفتها الذاكرة الإنسانية»، فيما يشير عالم الآثار الإنجليزي (جيوفري بيبي) بأنها «تمثل أكبر مقبرة في العالم».وقد شكل الازدهار الذي شدتهُ دلمون، عاملاً مساعداً «سمح لسكانها القدامى بتطوير وتفصيل تقاليد الدفن بشكلٍ يمكن تطبيقه على كافة السكّان. حيث تكشف التلال التي تم تنقيبها عن شريحة عرضية متنوعة اجتماعيًا من سكّان مرحلة دلمون المبكرة، مع وضوح التنوع الديموغرافي لآلاف من الأفراد من ناحية العمر، النوع، والطبقة الاجتماعية»، كما يؤكد البحث المنشور على موقع الهيئة، أما الباحث الهاشمي فيلفتُ إلى أن «الفروقات الواضحة في حجوم وعمارة المدافن من نوع واحد وفي منطقة واحدة، ربما تشير إلى فروقات زمنية فيما بينها، كذلك يحتمل أنها تشير إلى تمايز مراتب أصحابها الاجتماعية، كأن يكونوا من أصحاب الثروات أو السلطات، ويكون ذلك مبرراً للافتراض بوجود زعامات دينية أو سياسة أو اجتماعية الذي سيعكس نوعاً من التنظيم الاجتماعي أو السياسي لمجتمع الخليج العربي القديم».ويؤكدُ الباحث صويلح، بأن ما هذه المدافن منحتنى فهماً عن كل ما يتعلق بالدلمونيين، فمن خلالها «تعرفنا على أشكالهم وأوصافهم، والسلالة التي ينتمون إليها، ووجدنا بأنهم يتميزون بوجوههم الطويلة، وعيونهم الجاحظة، أما معدل أطوالهم فالذكور منهم يتراوحون بين (174 سم)، فيما متوسط طول الإناث يبلغ (165 سم). كما توصلنا إلى أنهم ينتمون إلى المجموعة القوقازية التي تشمل سكان أوروبا، وحوض البحر الأبيض المتوسط، وغرب وجنوب غرب آسيا»، ويضيف صويلح «وجدنا بعض الصفات الأفريقية في بعض الهياكل، وهذا عائد إلى تواصل الدلمونيين مع سواحل أفريقيا الشرقية»، لهذا لا يستبعد الباحثون بأن بعض الأفراد وصولا إلى منطقة دلمون، وسكنوها كما يرجح صويلح.زمنيتها وأمكنتها وأعدادهاتختلفُ التواريخ التي أُنشئت فيها «تلال مدافن دلمون» نظراً لكونها تعودُ إلى أزمنة مختلفة من تاريخ الحضارة الدلمونية، فالتلال المبكرة، تعودُ إلى ما بين (2200-2050 ق.م)، فيما تعود تلال المدافن المتأخرة إلى الفترة ما بين (2050-1700 ق.م)، كما هو مذكور في بحث الهيئة، أما الهاشمي فيشير لذلك بتبيان أن «تواريخ هذه المدافن تختلف من نوع لآخر، كذلك تختلف في النوع الواحد، ولكنها عموماً تغطي الفترة الزمنية المحصورة ما بين أواخر الألف الرابع إلى حدود نهايات الألف الأول قبل الميلاد. وهي الفترة التي شهدالخليج العربي فيها نشاطات اقتصادية وتجارية وحضارية نشطة فيما بين مركزه من الجانب، وبينه وبين مراكز الحضارات المجاورة من جانب آخر».وقد بنيت هذه التلال على أشكالٍ مختلفةٍ وفي أمكنةٍ متعددة، إذ «تقع في (21) موقعاً أثرياً في الجزء الغربي من المملكة»، ممتدةً على طول (مدينة حمد)، والقرى المجاورة لها: دار كليب، كرزكان، وصولاً لبوري فعالي فالجنبية، بيد أن التمدد العمراني، أزاح كماً لا يستهانُ به من هذه التلال، وإذا ما عدنا إلى الآثريين القدامى الذين كتبوا عنها، نجدهم يتحدثون عن ارتكاز المدافن «في الأقسام الشمالية الغربية من الجزيرة، وتغطي هذه المساحة الواسعة المنطقة الممتدة بين قرية عالي وطريق الهملة مارة بالبساتين المحيطة بقرية دمستان وكرزكان والماليكة»، كما يذكر (غلوب).كما أن أعداد هذه التلال اختلفت منذُ الكتابات الأولى وحتى اليوم، إذ يتحدث (غلوب) عن أكثر من (100) ألف تل، أما الباحث الدكتور سلطان الدرويش، فيشير في كتاب له تحت عنوان «المواقع الحضارية على الساحل الغربي للخليج العربي حتى القرن الثالث قبل الميلاد» إلى عددٍ أكبر من ذلك بما يقارب الضعف، مؤكداً أن ذلك يعود للاهتمام الكبير لأهل دلمون بدفن موتاهم، إذ يكتب «تجاوزت أعداد المدافن في البحرين فقط 170 ألف قبر، وهذه القبور التلية كانت ولا تزال أحد الملامح الرئيسية في البحرين».ويذهب الباحث السامرائي إلى تأكيد العدد مائة ألف، مضيفاً «ذلك دون حساب ما اندثر منها بحكم التقدم العمراني؛ بعضها واطئ، وبعضها الآخر يبلغ ارتفاعه خمسة عشر متراً، متصلة أو مستقلة، فردية أو مزدوجة أو جماعية؛ لعلها المعادلة لأهرامات مصر ولزيقورات العراق، والمدافن البرجية في تدمر». فيما يوردُ منشور لهيئة الثقافة، معنون بـ «تايلوس؛ رحلة ما بعد الحياة»، عدداً آخر، إذ يبين «تمتلك البحرين المقابر الأكثر إبهاراً في العالم فيما يتعلق بالكثافة والأعداد المهولة 80 ألفًا، وقد وصفها أحد رحالة القرن التاسع عشر قائلاً «بحر واسع من تلال المقابر». وبرغم الانخفاض البالغ في أعداد مقابر دلمون نتيجة للتطور المدني السريع على مدار الـ 60 عاماً الماضية، إلا أن تلال المقابر لا تزال تسيطر على منظر البحرين الطبيعي اليوم».وفي تفاصيل التلال والمدافن، يشير البحث المنشور على موقع الهيئة، إلى أنها تنقسمُ إلى عدة حقول، حقل تلال مدافن مدينة حمد (بوري): ويضم (754) تلاً، بما فيها العديد من قبور الأطفال. وحقل تلال مدافن مدينة حمد (كرزكان): ويعد هذا الموقع ثاني أكبر حقل لتلال المدافن في مدينة حمد، فهو يحتوي على (4262) تلاً. تعود غالبيتها للفترة المتأخرة. بالإضافة لتلال تعود للفترة الانتقالية. وحقل تلال مدافن مدينة حمد (دار كليب): ويضم (1331) تلاً، تعود للفترة المتأخرة. أما حقل تلال مدافن الجنبية: فهو حقل صغير يضم (13) تلاً، عائد للمرحلة المتأخرة، ويحوي على (5) من تلال مدافن الزعماء المكونة من حجرات من طابقين. بالإضافة لحقل تلال مدافن شرق عالي: الذي يضم (4669) من تلال المدافن الفردية التي تمثل النوع المتأخر من المدافن. فيما يضم حقل تلال مدافن غرب عالي، (723) تلاً، بالإضافة لستة تلال من النوع الخاص والمحاطة بجدارٍ خارجي دائر، يعكس مرحلة مهمة من البناء للنخب في فترة دلمون المبكرة. وأخيراً تلال مدافن عالي الملكية، التي تتألف من (13) تلاً ملكيًا فرديًا، تعرض في مجملها نمطًا معمارياً مميزاً.أساليب بنائهايؤكد الباحث صويلح أن «هذه التلال تتشابهُ من حيثُ الشكل، لكن هناك ثمانية أصناف وأشكال معمارية لبنائها»، وهذا ما يوضحهُ لنا البحث المنشور على موقع الهيئة، إذ يبين أن (تلال المدافن المبكرة)، يبلغُ متوسط قطرها حوالي (2.5) متر، ولا يتجاوز ارتفاعها عادة (1.5) متر، فيما يختلف مخطط حجرات الدفن فيها، إذ «عادةً ما تكون بيضاوية الشكل في التلال الصغيرة، في حين أن التلال الأكبر تظهر على شكل (L)، أو (T)، أو (H)، أو تتخذ شكلاً أكثر تعقيداً في بعض الحالات».أما بالنسبة لـ (تلال المدافن المتأخرة)، فيبلغ متوسط التل حوالي (2 - 3) أمتار، بقطر يتراوح من (6 - 11) متر. فيما تتميزُ (تلال مدافن الزعماء) و(التلال الملكية)، في كونها «تتكون من حُجرات الدفن المكونة من طابقين، فضلا عن أربعة أو ستة تجاويف مع الجدران المغطاة بالجص»، ويتراوح قطر (تلال الزعماء)، من (13 – 26) متراً، ويصل قطر (التلال الملكية) إلى (50) متراً بارتفاعٍ يصل إلى حوالي (12) متر. كما أن هناك نوعًا آخر من التلال وهي (تلال المدافن ذات المدافن المُضافة)، وهي «نوع خاص من المدافن التليّة التي وُجدت طيلة مرحلة دلمون المبكرة. وتتميز بوجود مدفنٍ مركزي مع مدفنٍ واحد أو أكثر من المدافن الفرعية المتصلة به»، ويرجح بأن سبب بناء هذا النوع من المدافن يعودُ للعلاقات التي تربط الأفراد، كالعلاقات الأسرية.ويشير البحث إلى أن معظم القبور شيدت «كأبراج أسطوانية (ذات طابقٍ واحد) صغيرة ومزخرفة، في حين تم بناء القبور الأكبر والمكوّنة من طابقين على شكل زقورة (معبد مدرّج). كما توجد خاصية مميزة وفريدة من نوعها في بناء مدافن دلمون التليّة وهو وجود التجاويف. واعتمادًا على الوضع الاجتماعي للفرد، يمكن أن يصل عدد الحجرات إلى ستة، والتي عادةً ما كانت مخصصة للهدايا الجنائزية».أما الباحث الهاشمي، فيبين لنا أن هذا الشكل من المدافن منتشرُ في معظم مناطق الخليج العربي، والتي تمتاز بتخطيطها الخاص وعمارتها المميزة، «وتجتمع بعضها بأعداد هائلة في منطقة معينة بحيث تشكل ظاهرة أرضية أو بنائية تميز تلك المنطقة. وتبدأ هذه القبور في توزعها على مناطق الخليج العربي من جزيرة فيلكا شمالاً مروراً بجزر البحرين فشبه جزيرة قطر وإلى عُمان في أقصى امتداد الخليج العربي، نجدها في أقسام مختلفة من الأرض العربية المتاخمة لساحل الخليج، من حدود الكويت شمالاً فمنطقتي الأحساء والقطيب (الهفوف) في المملكة العربية السعودية وإلى منطقة العين وواحة البريمي وحتى سفوح جبل حفيت الذي يمثل الحد الفاصل بين الإمارات العربية المتحدة ومسقط وعُمان»، وهذا ما يؤكد عليه الباحث الدرويش، مبيناً ميزة مدافن البحرين، إذ يقول «لا شك أن كثرة المدافن في جزيرة البحرين، واختلاف هندستها البنائية وحقبها التاريخية أعطاها شهرة واسعة باعتبارها الأرض المقدسة في الخليج العربي، وعلى الرغم من انتشار تلال المدافن في شرق السعودية، وصحراء الصمان، وشمال الكويت، وسبخات الخليج العربي، فإن تنوع وكبر حجم وغنى مدافن البحرين أعطاها هذا الاهتمام من قبل علماء الآثار».فيما يوضحُ لنا الهاشمي أن ظاهر تلال المدافن يشير إلى أن «النموذج العام لمقابر البحرين يتمثل في المدفن الفرد، أي القبر المستخدم لميت واحد ولمرة واحدة»، ويبين في تفاصيل البناء «أحيط بناء القبر بجدار شيد من تراكم حجر غير مهندم لا يزيد ارتفاعه عن (50) سم يحيط القبر بشكل دائري، ثم يتلو ذلك إحاطة البناء المستطيل الشكل وجداره الدائري الخارجي بركام رملي. يشكل المظهر الخارجي العام للقبر ويجعله على شكل كثيب رملي أو تل رملي».تاريخ التنقيب فيهايسردُ لنا الباحث الهاشمي، استناداً إلى ما أوردهُ الآثري (جيوفري بيبي) في كتابه «البحث عن دلمون»، ابرز المحطات التي شهدتها تلال المدافن من حيثُ التنقيب، إذ يذكر اسم (الكابتن ديوراند) أحد موظفي الخارجية البريطانية المعتمدين في البحرين، والذي يرتبطُ اسمهُ بأقدم عمليات التنقيب التي نفذت في العام (1879)، أما الشخص الثاني، المرتبط بتلال المدافن، فهو (الكولونيل برادوكس)، «أحد موظفي الحكومة البريطانية في الهند، حيث أرسلته حكومته لأستكشاف مقابر البحرين عام (1906)»، فيما يجيء (آرنست مكاي) كثالث الأشخاص، الذي أرسله عالم الآثار المصري الشهير (فلندز بتري) «من مصر إلى البحرين ليحل غموض مقابرها. ففتح حوالي (50) قبراً ورسم مخططاتها ومقاطعها ووضع قوائم بموجوداتها الأثرية».بعدهم جاء الدكتور (كورنوال)، الذي قام بعمليات تنقيب خلال فترة الحرب العالمية الثانية، و«كتب فيما بعد سلسلة من المقالات التفصيلية وقدم من خلالها الأدلة اللازمة لتشخيص المواقع الجغرافية لدلمون القديمة وربطها بالبحرين الحالية»، لتجيء بعدهم البعثة الدنماركية، ابتداءً بالعالم (بي. في. غلوب)، والتي «بدأت تنقيباتها الفعلية عام (1954)»، وصولاً إلى الوقت الحالي.ختاماً، إن إدراج «تلال مدافن دلمون» على قائمة «التراث العالمي»، إنجازُ يستحقُ الإشادة، بيد أن نشوة وحماسة هذا الإنجاز لا يتوجب أن تتوقف عند حدود تلك الإشادة، بل يتوجب على الجميع، أفراد ومؤسسات، المساهمة في تعزيز مكانة هذا الإرث الإنساني، فالأفراد مطالبون بأن يسهموا في إغناء المحتوى الرقمي حول هذا المعلم، سواء عبر «الموسوعة الحرة» (ويكبيديا)، أو عبر الفضاء الشبكي عامة، بمختلف لغاته، كما عليهم أن يدركوا أهمية مثل هذه الأمكنة التراثية، والمحافظة عليها، وتوعية الأطفال بأهميتها الحضارية والثقافية، وأبسط آليات الحفاظ عليها، وذلك لكي لا تكون -كما هي بعض التلال- أقنان لتربية الدجاج، أو مكبات نفايات، أو أماكن للتسكع!كما على الجهات الرسمية، إيلاء هذه الأمكنة أهمية أكبر، والحفاظ على ما تبقى منها من سطوة التمدد العمراني، بالإضافة لاختيار بعضها لتكون مقصداً للزوار، أسوةً بما حظيت به العديد من الأمكنة الأثرية، في سبيل خلق فضاء حقيقي يستحق أن يكون مقصداً، لا أن تترك كفضاءات شاسعة، بعضها دون شرح أو توضيح، سوى من لائحة تبين عدم قانونية التعدي على هذه الأمكنة.
مشاركة :