يونس السيد بعد اغتصاب فلسطين وتهجير شعبها في شتى المنافي، والتنكيل بمن تبقى منهم على أرضها، واستجلاب مئات الآلاف من المستعمرين وقطاع الطرق، وإحلالهم مكانهم، جاء دور نتنياهو للتشكيك بأصل الفلسطينيين، وارتباطهم بهذه الأرض عبر آلاف السنين في محاولة لتضليل الرأي العام العالمي، والترويج لبضاعة فاسدة لن تجد من يشتريها إلا ربما لدى إدارة ترامب وفريقه، الجاهزة دوماً للمصادقة على كل ما يقوله «الإسرائيليون». ومع أن مزاعم نتنياهو لا تستحق الرد، إلا أن تغريداته التي يقول فيها إنه توصل إلى «استنتاج» بأن الفلسطينيين القدماء جاؤوا من جنوب أوروبا، بينما جاء الفلسطينيون في العصر الحديث من الجزيرة العربية، وأنه لا يوجد رابط بين القدماء والمعاصرين منهم، تدفعنا إلى التوقف، والتساؤل عن هدف إنكار وجود الفلسطينيين على أرضهم، وعن جدوى مثل هذه المحاولات البائسة والعقيمة، والتي تتناقض مع حقائق التاريخ والجغرافيا وقرارات الأمم المتحدة، الداعمة لحقوق الفلسطينيين المشروعة في أرضهم ووطنهم. يستند نتنياهو في «استنتاجه» إلى دراسة حديثة لحمض نووي أخذ من موقع فلسطيني قديم في مدينة عسقلان لرفات فلسطينيين قبل أكثر من 12 ألف عام، أظهرت أن الفلسطينيين القدماء جاؤوا من جنوب أوروبا إلى منطقة الشام قبل أكثر من 3000 عام، ويشير إلى أن «هذا يؤكد ما نعرفه من الكتاب المقدس، من أن أصل الفلسطينيين يعود إلى جنوب أوروبا». ويذهب نتنياهو إلى أبعد من ذلك حين يضيف «استنتاجه» الخاص بأن الفلسطينيين المعاصرين جاؤوا من شبه الجزيرة العربية، إمعاناً في محاولة إنكار الوجود الفلسطيني، وصرف الأنظار عن المحاولات الجارية لتصفية قضيتهم الوطنية، بتحويل الصراع نحو اتجاهات دينية وأنثروبولوجية، بعيداً عن الحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني؛ لكن نتنياهو، الذي يزعم أن الوجود «الإسرائيلي» على هذه الأرض يعود إلى 4 آلاف عام، أي أنه أسبق من الوجود الفلسطيني، نسي أن يقول لنا لماذا لم يجد حتى الآن أية آثار أو دلائل على هذا الوجود «الإسرائيلي»؟؛ رغم أنهم حفروا فلسطين شبراً شيراً منذ عام 1948، ولماذا لجأوا إلى سرقة التراث الفلسطيني من الثوب الشعبي وحتى «الطابون» أو «التنور» وصولاً إلى سرقة الأكلات الفلسطينية (الفلافل والفول والحمص)؛ وهي أكلات مشتركة لبلاد الشام، ومن ثم سرقة الأغاني الشعبية (الميجانا والعتابا) وهي أيضاً مشتركة في بلاد الشام. ويبدو أن نتنياهو نسي ما كان يقوله سلفه بن غوريون بشأن المستوطنين المستجلبين من شتى بقاع الأرض، والذي ظل يعرب قبل وفاته عن مخاوفه من كيفية انصهار هؤلاء المستوطنين الذين جاؤوا من نحو 90 قومية آنذاك (واليوم نحو 120 قومية) في بوتقة واحدة. ربما كان عليه أن يقرأ كتاب «الإسرائيليون الأوائل» لتوم سيغف، كما نحيله إلى كتاب «العرب واليهود في التاريخ» وما أكدته المكتشفات الأثرية الحديثة، ومع ذلك نود تأكيد أن محاولات حرف الصراع عن مجراه الحقيقي، باعتباره صراعاً سياسياً بامتياز لن تنجح، ولن تستطيع تلك المحاولات فرض واقع جديد على الشعب الفلسطيني، المتشبث بحقوقه في أرضه ووطنه مهما طال الزمن، وإن محاولات نتنياهو تسويق بضاعته الفاسدة لن تجد أي صدى لها في العالم، ربما باستثناء إدارة ترامب الموغلة في انحيازها الأعمى ل«إسرائيل». younis898@yahoo.com
مشاركة :