يشتد في هذه الأيام الهجوم على النظام الرأسمالي الغربي، بل إن بعض الاقتصاديين يتوقعون أن يتعرض الاقتصاد الدولي لأزمة أكثر حدة من تلك الأزمة التي تعرض لها نظام الاقتصاد الدولي في العام 2008، بسبب عيوب في النظام الرأسمالي الغربي طالت شرائح كبيرة من المجتمعات، وبدأت هذه المجتمعات تعبر عن استيائها من الأضرار التي لحقت بها بسبب عيوب كثيرة بدأ النظام الاقتصادي الغربي يفرزها، ومن أهم هذه العيوب التفاوت الطبقي بين المجتمعات وتقسيم المجتمع العالمي إلى عدد قليل من الأغنياء مقابل سواد أعظم من الفقراء، بمعنى أن النظام الرأسمالي لم يفرز مجتمعات ذات مستوى معيشي مقبول، بل جعل الأغلبية العظمى في المجتمع العالمي من الفقراء الذين يعانون الفقر والجهل والمرض. والغريب أن الهجوم على النظام الرأسمالي الغربي يشتد في هذه المرة من الرأسماليين أنفسهم الذين بدأوا يحسون بمخاطر التفاوت الطبقي، ويطالبون بضرورة إصلاح النظام الاقتصادي العالمي حتى لا تستشري العيوب وتنتشر النقمة على النظام الاقتصادي العالمي بين الأغلبية الساحقة من المجتمعات. إن أهم الأصوات التي تدعو إلى الإصلاح هم الرؤساء التنفيذيون الذين يمكن القول إنهم أكثر المستفيدين من نموذج الاقتصاد الرأسمالي العالمي، وإلى جانب هؤلاء انضم كثير من المفكرين الاقتصاديين إلى صفوف المعترفين بفشل الرأسمالية الغربية في بناء اقتصاد عالمي متوازن. كتب الرأسمالي جيمي دايمون أن الرأسمالية انتشلت الملايين من الفقر، لكن هذا لا يعني أن الرأسمالية ليس لها عيوب، وأنها لم تتسبب في تخلف البعض وتشردهم وأنه لا ينبغي تحسينها وإصلاحها، وإنما ينبغي التفكير في بناء نموذج جديد للاقتصاد الدولي قادر على إفراز مجتمعات تتمتع بمستوى مقبول من الرفاهية والعيش الكريم. ومن ناحيته فإن الملياردير راي داليو الذي تبلغ ثروته 17 مليار دولار أصدر بيانا يجادل فيه أن نظام الرأسمالية الذي تبناه حينما كان في الـ12 من العمر لم يعد هو النظام المريح له بعد أن اكتشف أنه أصبح الآن يعزز عدم المساواة، ولذلك يجب أن يتطور، وأضاف: أنا رأسمالي ولكن مع ذلك أؤكد أن الرأسمالية مصابة بالخلل، ويؤكد الرأسماليون المعتدلون أن الرأسمالية إذا استمرت على حالها فإنها ستكون سببا من أسباب نشر مبادئ عدم المساواة في ربوع المجتمعات، وتكريس الثورات الاجتماعية المناهضة للأغنياء! ويؤكد الرأسماليون المعتدلون أن العولمة والتغيير التكنولوجي يعملان على زيادة التوتر وزيادة تفاوت مستويات المعيشة، كما يؤديان إلى تقسيم المجتمعات إلى حفنة ثرية جدا، وقاعدة عريضة فقيرة جدا، وبين هذين المستويين حشد كبير من الأحقاد وعدم التوافق! وإزاء هذه العيوب التي تعانيها الرأسمالية الغربية فقد وضعت بعض الشركات الكبرى مثل شركة جنرال إلكتريك المشاعر السلبية لقطاع كبير من الناس تجاه الشركات متعددة الجنسيات في قائمة المخاطر التي تهدد هذه الشركات. يقول دارن ووكر رئيس مؤسسة فورد: حينما ننظر إلى بيانات استطلاع الرأي نلاحظ أن الشباب يشعرون براحة متزايدة تجاه الاشتراكية كوسيلة لتنظيم الاقتصاد، وبالتالي تنظيم المجتمعات، وهذا يخيفنا جدا، كذلك وفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة جالوب العام الماضي، فإن نسبة الأمريكيين بين سن 18 و29 عاما والمؤيدة للنظام الاشتراكي بلغت 51 في المائة، وفي الوقت نفسه انخفضت النسبة المؤيدة للنظام الرأسمالي الغربي إلى 45 في المائة. إن ما يحدث في منطقة الدولار ومنطقة اليورو يمكن أن تكون بمنزلة مرحلة جديدة من الأزمة المالية العالمية التي ستنعكس نتائجها سلبا على مجمل أداء الاقتصاد العالمي، حيث يتوقع كثير من المراقبين تعرض الاقتصاد الدولي لأزمة اقتصادية حادة في السنوات القليلة المقبلة. ويجب أن نلاحظ أن الدخول في جولة أخرى من عمليات إنقاذ البنوك هو أمر غير مقبول من الناحية الاقتصادية، ولا حتى من الناحية السياسية خصوصا في دول الاتحاد الأوروبي التي تمر بظروف عصيبة أقلها أن خزائن البنوك مملوءة بالسندات الحكومية الراكدة. إذن نحن نتحدث عن أزمة مالية عالمية بدأت مخالبها ترسل إشاراتها المحمومة إلى كل أرجاء الاقتصاد الدولي، ما يلزمنا الاستماع باهتمام إلى التقارير الرسمية التي تصدر عن المنظمات المالية الدولية. وسط هذه الأخبار المحبطة فإن بعض علماء الاقتصاد يتحدثون عن الترهل الذي يعانيه النظام الرأسمالي الغربي، ويقولون إن العالم في حاجة إلى نظام اقتصادي جديد. الأخطر من ذلك أنه لا يوجد في الأفق نظام اقتصادي يستطيع أن يمسك زمام المبادرة، ويقود سفينة الاقتصاد الدولي، ولا توجد مؤشرات مؤكدة تقول إن الصين مثلا لديها نظام اقتصادي صيني مختلف عن النظام الرأسمالي الغربي، بل إن الاستثمارات الصينية واليابانية والاستثمارات الخليجية هي الآن من ضحايا النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي! إننا إذا استعرضنا الأزمات العالمية، فإننا نجد أن الغرب المترنح هو الذي تسبب في كل الأزمات، وأن الغرب هو الذي ألحق كثيرا من الأضرار بالمال العالمي والبيئة العالمية، وآخر الأزمات أزمة الفساد المالي الذي ضرب كبريات البنوك والمصارف في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية!
مشاركة :