ارتبطت آلة السمسمية ذات الهيكل المثلث الشكل، بالمدن الساحلية المطلة على قناة السويس حتى أصبحت سلاحاً موسيقياً للمقاومة الوطنية. بعدما استحالت ورشته لصنع "السمسمية" ركاماً في فبراير، لم يتخيل الحرفي المصري محمد غالي أنه سيرى بعد أشهر قليلة قيام مركز ثقافي جديد مكرس لهذه الآلة الموسيقية التي ترجع جذورها إلى الفراعنة. ويُعتقد أن آلة "السمسمية" التي تشبه القيثارة وتُصنع من الخشب الزان والأوتار المعدنية، تحمل جذوراً مصرية قديمة خصوصاً مع ظهورها في بعض الزخارف المنقوشة داخل المقابر الفرعونية. ويعتبر غالي الذي يعمل نجاراً، واحداً من آخر الحرفيين في مصر الذين يحافظون على التراث الثقافي لهذه الآلة الموسيقية من خلال ورشته التي أطلق عليها اسم "التراثية"، ويقول "إنها آلة ساحرة، تنادي مثل الندّاهة وأنا أجيب". وخلال القرن الماضي في مصر، ارتبطت "السمسمية" ذات الهيكل المثلث الشكل، بالمدن الساحلية المطلة على قناة السويس، وخصوصاً بورسعيد، وقد جلبها عمال نوبيون خلال حفرهم قناة السويس، المجرى الملاحي المصري الشهير الذي يربط البحرين الأحمر والمتوسط. آلة وترية وفي مايو الماضي، احتفلت قناة السويس بمرور 150 عاماً على تدشينها رسمياً في عام 1869، وعادة ما يعزف على "السمسمية" في "الضمّة" أي تجمعات، ويغني الموسيقيون فيما تكون الآلة الوترية مصحوبة بإيقاع الطبلة والدف. وفي منطقة سوق السمك الشهيرة في مدينة بورسعيد، وبينما كانت الجرّافات تحيط بورشته، نظّم غالي البالغ 52 عاماً "الضمّة" الأخيرة قبل أن تهدم ورشته في الليلة نفسها ليقام مكانها مركز تجاري. وعلى ركام الورشة، وقف الرجال من جميع الأعمار يعزفون ويغنّون ويرقصون طوال الليل. وكان غالي قد ناشد السلطات إنقاذ ورشته وهي بمنزلة جمعية للفنون الشعبية تحت مسمى "التراثية" يقصدها العديد من الموسيقيين، وحيث تُصنع آلات "السمسمية" منذ أكثر من عقد، ولكن دون جدوى. وبعد أسابيع من فقدانه ورشته، أمّن غالي مكاناً جديداً لـ"التراثية" وهي جمعية للفنون الشعبية أسسها في عام 2005 وكرسّها لهذه الآلة. وتحت إشراف "التراثية"، أسس غالي "كنال 20" بالقرب من ميناء بورسعيد، ليكون بمنزلة متحف ومركز ثقافي لتعليم حرفة النجارة ونقل تراث "السمسمية" للجيل الجديد. أغانٍ وطنية كان الإطفائي إبراهيم عوض البالغ من العمر 35 عاماً، الذي عشق "السمسمية" في سن مبكرة، موجوداً في الليلة المؤثرة التي اضطر غالي إلى إغلاق ورشته خلالها. ويتحدث عوض عن عشقه للسمسمية قائلاً: "ما يهم، وما كان يعجبني هو الروح ... الموضوع ليس في فريق يعزف ومطرب يغنّي"، وفي عام 1956، عندما شنت القوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية هجوماً على مصر بعد تأميم الرئيس المصري جمال عبدالناصر قناة السويس، كتب المصريون أغاني وطنية مستوحاة من دفاعهم عن القناة. وأصبحت "السمسمية" سلاحاً موسيقيا للمقاومة الوطنية. وخلال هذه الحرب، دُمرت بورسعيد وكانت مركزاً تجارياً عالمياً يطل على البحر المتوسط ويضم جاليات كبيرة من الفرنسيين واليونانيين واليهود والإيطاليين. صنع السمسمية في عام 1967، كانت أسرة غالي من بين آلاف السكان الذين نزحوا إلى مناطق أخرى في مصر. لكن غالي لم ينس جذوره في بورسعيد. وقال "خلال التهجير كنت أسمعها (السمسمية) على الإذاعة وهذا ما جعلني أقع في حبها. كنت بعيداً عن مدينتي بورسعيد وذلك ما ترك أثراً بداخلي". وفي الثمانينيات بدأ غالي محاولاته لصنع "السمسمية". وبعدما طلب موسيقيّ من غالي أن يصنع له واحدة، قرر استخدام مهاراته في النجارة لصنع "السمسمية" بشكل احترافي اعتباراً من عام 2003. وقال "عندما أصنع الآلة، فإما أن يكون مزاجي جيداً أو حزيناً. وأنجز أفضل الآلات حين أكون متضايقاً جداً". مرحلة المراهقة إيمان حدّو شابة مصرية تبلغ من العمر 20 عاماً، هي جزء من الحشد الصغير الذي يتجمع في "كنال 20"، حيث يعرض غالي صوراً قديمة لأسماء تاريخية في مجال "السمسمية". وقعت حدّو فوراً في حب "السمسمية" عندما كانت في مرحلة المراهقة بعد حضورها حفلاً موسيقياً مع والدها. وتقول "سمعت السمسمية للمرة الأولى منذ نحو سبع سنوات. كان الأمر غريباً جداً بالنسبة لي، لم يسبق أن رأيتها من قبل". وتضيف "لقد تساءلت أيضاً لمَ يعزفها الفتيان فقط .. أين الفتيات". ويعتبر معظم عازفي "السمسمية" من كبار السن من الرجال. وقبل عام، بدأت حدّو أول جوقة نسائية في العالم العربي لعزف "السمسمية" تحت اسم "أمواج". وتوضح "في ثقافتنا الشعبية، كانت الفتيات يرقصن على أنغام السمسمية، لكن لم يكن من المتوقع أن يقمن بالعزف، لذا فكرت لمَ لا أشكل فرقة فتيات". ويتدرب فريق الفتيات ثلاث مرات أسبوعياً في "كنال 20" وتمّت دعوته للمشاركة في مهرجانات موسيقية. وتؤكد حدّو "نريد أن نظهر لمحبي الموسيقى أن السمسمية ليست للرجال فقط، وأن النساء يمكنهن عزفها جيداً وأن ينجحن في ذلك". وقالت "نريد أيضاً أن ننقذ تراثنا".
مشاركة :