محنة الجد التشيلي الذي أنقذ أحفاده السبعة من داعش

  • 7/15/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

روت صحيفة "إل موندو" الإسبانية حكاية جد من تشيلي سافر لينقذ أحفاده السبعة، وعبَرَ العالم بحثاً عن أحفاده الذين نجوا بأعجوبة طوال أسابيع من المعارك الضارية عند انهيار "دولة داعش". يحكي باتريسيو غالبيث، الجد الشجاع ذو الأصل التشيلي المقيم في السويد، والذي قام بدور البطل لإنجاز بنهاية سعيدة، لـ (إل موندو): "كان لقاء رائعاً، عندما شاهدتهم لأول مرة كانوا بوضعٍ سيئ. كانوا مرضى ويعانون من سوء التغذية. كان رائعاً وفي نفس الوقت قاسياً للغاية". يتذكر غالبيث، وفق ما ذكرت الصحيفة، رؤيتهم "يعانون جعلتني عاجزاً جداً.. معرفة أنهم هناك ولا أستطيع مساعدتهم". فقد كان أول مسارٍ مؤلمٍ لأحفاده الذهاب إلى خيام حقل الهول (مخيم الهول)، وهي أرض قاحلةٌ تؤوي حوالي 75 ألفاً من أقارب عناصر تنظيم داعش، الذين تمكنوا من الهرب من معاقلهم الأخيرة. وفي جغرافيتها المتردية، يعيش 2500 طفل أجنبي بشكل سيئ كمنبوذين، إذ تتحفظ بلدانهم فيما يخص عودتهم. وطبقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، فقد توفي على الأقل 211 طفلاً تقل أعمارهم عن خمس سنوات. وبعد أسابيع من المفاوضات، تمكَّن غالبيث - الذي أمضى شهرين في أربيل عاصمة كردستان العراق - من رعاية الأطفال. يحكي غالبيث بعد وصوله للسويد رفقة أطفاله: "إنهم يتحسنون رغم أنهم مصدومون جداً. كانوا في الباغوز (القرية السورية التي كانت آخر معاقل التنظيم، وقد سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية في الـ23 من مارس الماضي) عندما بدأوا بقصفها. كان هجوماً فظيعاً. أحرقوا معظم القرية حيث كان الأطفال هناك. لا يمكننا حتى تصور ذلك. تلاشى كل ذاك التوتر الآن عندما كان الأطفال معنا". يتحدث الجد: "من الصعب جدًّا تهدئتهم ومنحهم الحب". يروي التشيلي: "يبلغ أكبرهم 8 سنوات ونادراً ما يتحدث. حتى إننا لا نسألهم عن شيء. نريدها تِباعاً. فليتحدثوا معي عمَّا شاهدوه إن رغبوا في ذلك. أحياناً، وعلى سبيل المثال، عندما يشاهدون طائرة يتذكرون حوادثَ، وأُخبرهم حينها أن هذه الطائرات لا تقصف. حتى إنهم ربطوا المروحية بالحرب". توُفيت ابنته في بدايات يناير. اعتنقت الإسلام في السويد وتزوجت من مايكل سكرامو الذي كان مسلماً في 2005. فقد كان لدى الزوجان ثلاثة أطفال عندما شرعوا في طريقهم إلى "الخلافة" المزعومة المنتشرة في مناطق متفرقة في سوريا والعراق. وأنجبت الشابة في أقاصي "دولة داعش" أربعة أطفال آخرين. وقد لقي مايكل حتفه في الاشتباكات الأخيرة في الباغوز. لم يفقد باتريسيو تواصله مع أحفاده. وأشار إلى أنه "كانت أماندا قبل وفاتها ترسل لي رسائل تخبرني كيف هم الأطفال، كانت تُصوِّر لي صوراً رغم أنها لم تخبرني أبداً بأسماء المدن التي كانوا فيها". "الآن أفهم المسار الذي سلكوه. فبعد أن فقدوا الرقة، ذهبوا على طول نهر الفرات، هرباً نحو العراق. كانت تخبرني في الرسائل الأخيرة عن الجوع الذي كان يمر بهم وحاولت إقناعها بمغادرة ذلك وترك سوريا، ولكن كان مستحيلاً. لم يكن يسمح لها زوجها ولا وضع المرأة في (الخلافة) باتخاذ القرارات من تلقاء نفسها". وفي أثناء الهروب المؤلم تلاشى الأثر خلال الأشهر الأخيرة. يقول الجد، المسؤول حالياً عن مساعدة الصغار في مكان مجهول: "خروجهم أحياء معجزة. لقد شعرت دائماً بحضور ابنتي القوي للغاية. وفي كل خطوة قمت بها، شعرت بالطاقة التي كانت تساعدني وتوجهني. كان هناك شيء سحري. وجود السبعة هنا معجزة في الحقيقة على الرغم من صعوبة وضعهم". يقول الجد إن "لديهم كل الحق في استعادة الحياة التي لم يتمكنوا من الحصول عليها أبداً. لقد وُلدوا في الجحيم وكانوا يفتقرون إلى إمكانية أن يكونوا أطفالاً ورؤية عالم آخر. وهذا أجمل ما أرغب في منحهم". ومنذ وصولهم إلى البلاد، بقي السبعة معاً في مركز اجتماعي في انتظار مستقبل غامض. "سيكون من المستحيل بالنسبة لي أن أهتم بالجميع، وآمل أن تتمكن عائلتي من استضافة بعضهم لزيارتهم وتكوين علاقة جيدة كإخوة. نحن لسنا مسلمين ولن يتعايشوا مع هذه الأفكار. أريدهم أن يختاروا عقيدتهم عندما يكبرون إذا كان هذا ما يرغبون به". ساهمت رحلة غالبيث بحثاً عن أحفاده أيضاً لعلاج بعض الجروح. يقول: "ذهبت مدركاً بعض الأشياء، بما في ذلك المسؤولية التي يتحملها المرء كأب أمام أطفاله. لا يمكنك التراخي أبداً. يجب أن تكون مدركاً لما يحدث حتى لو كان عمر الأطفال 30 عاماً". "مثل أي أب، لا يريد أن يعيش أكثر من أبنائه. لقد فهمت كل الأخطاء التي ارتكبتها. لقد خُدِعَ كل من سافر إلى سوريا والعراق وعمره بين الـ20 والـ30. وللقصة أهدافٌ أخرى". يريد التشيلي الحفاظ على ذكريات ابنته. "قررت أن أخبركم كيف كان الوضع. لقد أحببتهم كثيراً. ودائماً ما أُبقيهم في قوقعة. كلهم يتحدثون اللغة السويدية لأنهم مكثوا في البلاد. لم يُشاهد الصغار كثيراً. سأُحدِّثهم عن الأجمل لأن هذا كل ما تبقى. تملك أماندا رؤية مثالية للغاية لما كان عليه تنظيم داعش. اعَتقَدَت أنه كان نوعاً من جيش لإنقاذ المسلمين. كانت دائماً ما ترفض جميع الأعمال الإجرامية التي ارتكبوها. فقد كانت بريئةً جداً. وأود التحدث مع من كان معها من النساء لرغبتي بمعرفة المزيد حول الحياة التي كانوا يعيشونها". اقترح غالبيث، الشاعر والموسيقي، إعادة تشكيل أحجية ابنته الحيوية. مُسلِّطًا الضوء في طريقه على العتمة والتساؤلات التي تعرَّضَت لها سنواتهم الأخيرة من الحياة. وأشار: "لقد بدأتُ بكتابة كتاب عنها وكذلك بعض الأغاني لفيلم وثائقي". تشير قصيدة مؤلفة من صدمة كاملة إلى النهاية المؤسفة لأماندا: "كان انعكاساً لكوني لم أعد ألمح، / كان ذلك البربرية التي سحقها. / أزالوها وحجبوها الضيوف الغدَّارين / الذين يعبرون هذا العالم ناشرين السخط". الجد كاتب الأغاني، الذي عبر نصف العالم وتوسل لأشهُرٍ إلى الحكومة السويدية للسماح بعودة أطفالهم، ويريد أن يختم السلام مع الماضي وذلك بتصحيح بعض "الأخطاء". "لم تذهب أماندا إلى تشيلي أبداً. أتحدَّثُ دائماً مع أطفالي باللغة السويدية. والآن قررت استخدام اللغة الإسبانية مع أحفادي، وفي وقت ما سنسافر إلى تشيلي". أوجز والدهم: "يقولون إنهم على ضفاف الفرات العظيمة،/ وعلى حقول دير الزور المتهالكة، / رأوا آخر بريقٍ من إشراقته".

مشاركة :