سوق تعز.. رائحة الحرب تغطي على عبق التاريخ

  • 7/16/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بعدما كان مركزا لصناعة الحرف اليدوية، حوّلت الحرب في اليمن سوق الشنيني التاريخي في مدينة تعز المحاصرة من قبل الحوثيين، إلى مقر لبيع الرصاص ورشاشات الكلاشينكوف. وفي متجره في السوق حيث يبيع قطعا من السلاح وألعابا نارية، يتحدث أبوعلي عن هذا التحوّل قائلا “عندما كنت تدخل المدينة القديمة، كنت تجد أصحاب الأعمال الحرفية اليدوية، مثل الخياطين والطرّازين والحدّادين”. لكن، “جاءت الحرب، فاضطر أكثرهم إلى بيع السلاح”. بينما اختار أبوعلي الذي كان يعمل خياطا أن يصبح تاجر سلاح، اختار آخرون أن ينتقلوا من صناعة الحرف اليدوية، إلى بيع نبتة القات المخدّرة التي تعتبر التجارة فيها قانونية في أفقر دول شبه الجزيرة العربية. لكن بعض أقدم الحرفيين في سوق الشنيني فضّلوا عدم بيع السلاح، وعدم التجارة بالقات أيضا، وغادروه هربا من الحرب في مدينتهم الواقعة في وسط غرب اليمن. وقال أبوعلي الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه “نصف المحال أغلقت أبوابها”. وتعصف الحرب بالبلد الفقير منذ أن سيطر المتمردون الحوثيون على أجزاء كبرى وبينها صنعاء في 2014، وقد تصاعدت مع تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري لدعم قوات الحكومة في مارس 2015. بعض أقدم الحرفيين في سوق الشنيني فضلوا عدم بيع السلاح وبالغات وغادروه هربا من الحرب وتخضع مدينة تعز لسيطرة القوات الحكومية، لكنّ المتمردين يحاصرونها منذ 2015، وغالبا ما يقومون بأعمال قصف تتسبّب بمقتل مدنيين من بين السكان البالغ عددهم نحو 615 ألف نسمة. كما أنّ تعز شهدت في الأشهر الأخيرة اشتباكات بين قوات متحالفة مع الحكومة المعترف بها دوليا، في صراع على النفوذ أدّى إلى مقتل وإصابة العشرات، بحسب مصادر طبية وأمنية محلية. وإضافة إلى مهن الحرفيين، وبينها صناعة الفخار والألبسة الشعبية، كان سوق الشنيني مقصدا لزبائن التوابل والخضراوات و”الجبن التعزي”، أحد أشهر المنتجات المحلية في المدينة. وبحسب عبدالراشدي، وهو صاحب متجر في السوق لا يزال يبيع مواد تصنع محلّيّا، فمع اندلاع الحرب قبل خمس سنوات “تأثّرت هذه المهن كثيرا وازدهرت تجارة السلاح على حسابها”. بين فروع السوق القديم، يدخل رجال مسلّحون المتجر تلو الآخر بحثا عن قطعة سلاح معيّنة أو رغبة بشراء الرصاص، بينما يتنقّل آخرون على متن دراجات نارية. وعلّقت عند مداخل المتاجر ملابس عسكرية زيتية اللون، وفي داخلها وضعت بعناية فوق الرفوف، جنبا إلى جنب، رشاشات الكلاشنيكوف وأشرطة الرصاص وقذائف الهاون والقنابل اليدوية وغيرها من الأسلحة. وأوضح أبوعلي “إنّه سوق سلاح”.وتصنّع بعض الأسلحة محليا، ويهّرب بعضها الآخر، إلا أنّ مصدر غالبيتها مجهول. ويبلغ سعر رشّاش الكلاشنيكوف 1090 دولارا، والمسدس 818 دولارا، فيما تباع الرصاصة الواحدة بنصف دولار. وكحال أبوعلي، أجبرت الحرب محمد تاجر الذي كان يعمل في مجال صناعة الخزف على أن يتحوّل إلى بيع السلاح. وقال، وهو يجلس عند عتبة متجره بالقرب من قاذفة صواريخ، “قبل الحرب كان هناك عمل وحركة (بيع)، لكن بعد الحرب أصبحنا نعمل بالذخيرة”. وأوقعت الحرب حوالي 10 آلاف قتيل منذ 2015 بحسب منظمة الصحة العالمية. ويعتبر مسؤولون في المجال الإنساني أن الحصيلة أعلى بكثير. ولا يزال هناك 3.3 مليون نازح، فيما يحتاج 24.1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، إلى مساعدة، بحسب الأمم المتحدة التي تصف الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ في العالم حاليا. ودمّر وتضرر عدد من المستشفيات. وواجهت البلاد وباء الكوليرا مع الآلاف من الوفيات منذ أبريل 2017. وقالت منظمة “أنفذوا الأطفال” إنّ الكوليرا تسبّبت في وفاة 193 شخصا منذ بداية 2019. وعلى باب أحد متاجر سوق الشنيني، كُتب “خياطة رجالية حديثة”، لكن في الداخل حلّت القنابل والرصاص مكان قطع القماش فوق الرفوف. وقال محمد تاجر “سنعود إلى مهننا إذا انتهت الحرب”.

مشاركة :