وافق البرلمان المصري، مساء الاثنين، بشكل نهائي على تعديلات واسعة على قانون الجمعيات الأهلية المجمد منذ صدوره في العام 2017. وحقق القانون في شكله الجديد جملة من المكاسب المهمة التي طالب بها المجتمع المدني، على رأسها عودة نظام تأسيس المنظمات الأهلية بالإخطار وتسهيل الجوانب الإدارية الخاصة بنظام عملها، وإلغاء عقوبة الحبس والاكتفاء بالغرامة المالية التي وصلت إلى مليون جنيه في بعض الحالات (55 ألف دولار تقريبًا). وحاولت القاهرة أن تلعب بسياسة “البيضة والحجر” في علاقتها بالمنظمات الأجنبية خلال هذا القانون، إذ أنها أفسحت المجال أمام غير المصريين ممن لهم إقامة قانونية دائمة أو مؤقتة في مصر للاشتراك في عضوية منظمات المجتمع المدني أو مجالس إدارتها، وأجازت للجاليات الأجنبية إنشاء جمعية تعني بشؤون أعضائها بعد الحصول على ترخيص من الوزير المختص. بالمقابل حظر القانون تحويل أي أموال من تلك المنظمات إلى أي هيئة أو مؤسسة في الخارج إلا بعد موافقة الوزير المختص (لم يحدد بعد)، ومنعت تلقيها أموال من أي شخص طبيعي بخلاف مصادر تمويلها المنصوص عليها في تصاريح عملها، وأخضعتها لإشراف الجهة الإدارية المختصة (لم تحدد بعد) وألزمتها بتقديم عدد من المستندات الخاصة بها لتلك الجهة. وتوترت العلاقة بين الحكومة المصرية والمنظمات الحقوقية الأجنبية منذ العام 2011، بعد أشهر قليلة من الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، إذ بدأت جهات قضائية تطالب الحكومة المصرية التحقيق في تمويل الجمعيات المحلية والأجنبية. وصدرت بالفعل أحكام بالإدانة وإغلاق مكاتب 17 منظمة دولية غير حكومية، وأعقبها إغلاق عدد كبير من المنظمات أبوابها في العام 2013، قبل أن تصدر محكمة جنايات القاهرة حكمًا نهائيا في ديسمبر الماضي قضى ببراءة 43 متهما بينهم أميركيون وأجانب بتلقي تمويل أجنبي بشكل غير مشروع. وغالبا ما تصدر دول ومنظمات حقوقية دولية ومحلية تقارير تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وشكّلت حرجا بالغا بالنسبة للحكومة المصرية في مناسبات عدة، وترتّب عليها تجميد ملايين الدولارات من المساعدات العسكرية الأميركية لمصر لنحو عام، فيما انعكست تلك الانتقادات على تقديم المجلس الدولي لحقوق الإنسان 300 توصية للحكومة المصرية من أجل إصلاح الأوضاع الحقوقية. وقال الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان عصام شيحة، إن قانون الجمعيات الأهلية يفسح المجال أمام عودة المنظمات الأجنبية، ولكن تحت رقابة الحكومة المصرية بعد أن نظمها القانون الذي أنهى حقبة 60 عاما كان يخضع فيها عمل المنظمات الأجنبية للموائمات السياسية، متوقّعا عودة عدد من تلك المنظمات التي تعمل بشكل مستقلّ.وأضاف شيحة في تصريحات لـ”العرب”، أن القاهرة تترقب عودة عدد من المنظمات الأجنبية التي كانت تربطها بها علاقات قوية قبل اقتحامها في ديسمبر من العام 2011، وأن هذا التوجه يرتبط بالرغبة في أن يكون عمل هذه المنظمات، وفقا لما يجري على أرض الواقع وليس من خلال تداخل وسطاء يتبعون تنظيمات إسلامية ينقلون الصورة بشكل خاطئ. وأوضح أن الحكومة المصرية غيّرت من خلال القانون الجديد فلسفتها في التعامل مع المنظمات الحقوقية، والتي قامت خلال السنوات الماضية على التضييق والتقييد والمنع واستبدلتها بسياسة التنظيم وإتاحة العمل تحت أعينها، بما يتيح للمجتمع المدني أن يؤدي أدواره المنوط بها، وفي الوقت ذاته يكون هناك صلاحيات حكومية تضمن عدم انحراف تلك المؤسسات عن أهدافها الحقيقية. ويرى مراقبون أن قبول الحكومة المصرية بعدد كبير من طلبات منظمات المجتمع المدني وإشراكها معها في عملية إعادة صياغة القانون وموافقة البرلمان عليه من دون إدخال أي تعديلات، يبرهن على رغبتها في إيصال رسائل خارجية بأنها ماضية في تحسين سجلها الحقوقي، وأنها منفتحة على جميع الأطراف شريطة الالتزام بالشروط الإجرائية التي وضعتها بما يضمن الحفاظ على أمنها القومي. واستخدمت وزارة التضامن الاجتماعي التي قادت المشاورات مع المنظمات الحقوقية سياسية التفاوض والتنازل، إذ أنها اختارت أن يكون هناك تواجد حكومي قوي في بعض تفاصيل عمل هذه المنظمات، لكنها في الوقت ذاته استجابت للمطالب الأساسية التي تضمن وجود مجتمع مدني قادر على التحرك بالحد الأدنى من قدراته للتعامل مع جملة من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. وظهرت تلك السياسية من خلال المواد المتعلقة بتلقي التمويل الأجنبي، لأن الحكومة المصرية طبقت رقابة متوازنة على التمويل الأجنبي بحيث يعتبر طلب التمويل مقبولا حال عدم اعتراض الجهة الحكومية المنوطة بالموافقة على الطلب خلال فترة زمنية لا تتخطى 60 يوماً، ولكنها اشترطت عليها وضعها بحساب مصرفي في غضون 30 يوما. غير أن ذلك لم يحز على رضاء المجتمع المدني بكافة أشكاله، وقالت عشر منظمات حقوقية مصرية ودولية الأسبوع الماضي إن التعديلات غير كافية، وأنه مازالت هناك قوانين أخرى تفرض قيودا مشددة على المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني قد تؤدي إلى عرقلة العمل في المجال الإنساني. وقال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، حافظ أبوسعدة، إن القانون الجديد لم يحقق جميع طموحات العاملين في المجال الحقوقي، لكنه يعتبر متقدما مقارنة بما كان عليه سابقًا، وأن وضع اللائحة التنفيذية للقانون وطريقة تطبيقه هي من تحدد ما إذا كان هناك تغيير جذري في علاقة الحكومة بالمجتمع المدني من عدمه، وأن ذلك سيتطلب أيضا إغلاق كافة القضايا المفتوحة بشأن النشطاء وتغيير النظرة السائدة بشأن الجمعيات وأدوارها في المجتمع. ويخشى العديد من الحقوقيين من أن تكون اللائحة التنفيذية للقانون الجديدة مقيّدة بشكل أكبر لعمل المنظمات، تحديدا وأنه لم يتم بعد تحديد الجهة الإدارية التي سيكون عليها الرقابة على التزامها بالقانون من عدمه، وأن التوسع في تدخل الحكومة بشأن أنشطة الجمعيات وتحركاتها قد يؤدي إلى الإخلال بجوهر القانون الجديد القائم على الإتاحة بشكل عام. وأضاف أبوسعدة في تصريحات لـ”العرب”، إن الحكومة المصرية لديها رغبة في أن يكون هناك تحسن نسبي في علاقتها مع المجتمع المدني، وأنها أرسلت عبر القانون إشارات عدة برغبتها في التهدئة وعدم إثارة المشكلات تجاه عمل المجتمع المدني داخل مصر، بعد أن استعانت بتجارب العديد من الدول التي تعمل فيها المنظمات الحقوقية بحرية ولكن في إطار قانوني تتحكم فيه.
مشاركة :