عندما تؤمن بأن حياتك ثمينة عظيمة ستستشعر كل السلام والطمأنينة بأن تعيش كل لحظاتك بإيجابية ولن يكدر صوف ذاتك أي شيء، وإن شعرت بالمشاعر الإنسانية الطبيعية المتقلبة فإنك ستكون ماسكا زمام الأمور بيديك. نعم، هذا لا يعني أنه لن تمر على الفرد تحديات ومراحل متنوعة في حياته، بل سيمر كل شيء خلال رحلة الحياة لكي نختبر التجربة ونفهم المعنى، ومن خلال هذا المعنى سندرك كيف نتعامل مع الظروف والتجارب باتزان وروية ومن دون جزع أو خوف. عندما نشعر بالسلام الداخلي يعني أننا تخلصنا من المنافسة والمقارنات، وأصبحنا نشعر بحس المسؤولية في كيفية أن نعيش الحياة بصورة صحيحة تضيف البهجة والفرح والسكينة. غالبا من يسقط التذمر على الظروف والأشخاص لا يتحمل مسؤولية نفسه، ربما أحدكم يقول كيف ذلك؟ نحن نحاول أن نغير الظروف والأشخاص فعليا من الخارج، ونحاول أن نعدل صديقا أو زوجا أو نعدل ظرفا خارجيا لكننا نتجاهل اعتقاداتنا وأفكارنا الداخلية، وأنها هي من تتحمل مسؤولية من يظهرون في حياتنا، من يعتقد أن الأصدقاء يخذلون سيظهر أمامه من يجسد حقيقة هذا الاعتقاد، وبالفعل سيجذب أصدقاء يخذلونه، ومن كان اعتقاده بقلة الموارد وقلة الحظوظ فعلا سيجذب لنفسه ذلك، إما في قرارات خاطئة أو في إضاعة الفرص أمامه أو عدم التحرك والعمل والسعي، من يخاف الأمراض ويتحدث عن الأمراض سيكون في دائرة الألم والمرض، من يتعرض للآخرين بالسب والتلفظ والانتقاد الحاد سيتعرض هو نفسه للهجوم والأذية. حديثي ليس إقناعا لأحد، بل هو دعوة لتأمل ما بداخلنا من اعتقادات، مثل اعتقادات الخوف أو الفقر أو عدم إيجاد الفرص أو العمل، هل نحن لدينا هذه المخاوف؟ هل نحن لدينا هذا الغضب الداخلي؟ هل نحن لدينا الاحتياج والشعور بالنقص داخلنا؟ أجمل شيء عندما نكون صادقين مع أنفسنا في تأمل داخلنا من اعتقادات أو أفكار، لأن ذلك سيوضح حقيقة ما يدور بالداخل، سندرك أن الله عز وجل سخر كل شيء للإنسان وهنا يأتي مدى اختيار الإنسان لهذه النعم أو الأمان عن طريق اعتقاداته وحسن ظنه في الله، ربما بعضنا يقول إنه متوكل على الله، لكن في حقيقة نفسه هو خائف من الظروف أو الناس أو يشعر بالنقص والاحتياج فيجذب له كل شبيه. سبب كتابة مقالتي هذه هو أنني ألقيت محاضرة في جمعية المتقاعدات عن أهمية معرفة الداخل في أنفسنا؟ وكيف نصنع حياة متوازنة وجميلة؟ كيف نعيش هذه المرحلة من حياتنا ونحن نستشعر الحب والسلام والأمان مع أنفسنا أولا ثم مع من نحب؟ فاجأتني ملامح البعض وهن في هذا العمر، ملامح عدم الرضا على الظروف أو الماضي أو على التجربة، وكأن لسان حالهن لو عشنا قليلا لأنفسنا، ملامحهن تظهر العتب والمشاعر المكبوتة التي لم تظهر من سنوات طويلة و لم يفصحوا عنها. هل نتخيل أنفسنا ونحن نحمل في قلوبنا أوجاعا أو عتابا ولم نفصح عنه بحرف كيف نكون من الداخل؟ ماذا نجذب لحياتنا؟ سيكون عالمنا الخارجي شبيها لعالمنا الداخلي مضطرب وغير متوازن. هي دعوة صادقة لنقف قليلا لم يمض العمر بعد، ما زالت الحياة تمضي بجمال وسلام وما زالت النفس ترغب في أن تبتهج ولو كانت أعمارنا فوق الـ70، لنلتفت لاعتقاداتنا ونظرتنا لأنفسنا؛ هل نحن نشاهد أنفسنا ونستحق حياة كريمة؟ هل نحن نؤمن بأهمية ذواتنا من الداخل؟ أم نحن نتبع تصرفات الآخرين وننتظر أحكامهم علينا، أو ننتظر أن يتصدق الآخر علينا بكلمة حتى لو كان هذا الآخر قريبا (ابن أو ابنة أو زوج أو زوجة)؟ علينا ألا ننتظر أحدا لكي يسقينا الماء أو يضيف البهجة أو السعادة لنا، نحن من يصنع ذلك لأنفسنا، علينا أن نعبر عن مشاعرنا الغاضبة أو الحزينة ونقبلها ثم نسمح لها أن ترحل عن قلوبنا لكي نستطيع أن نعيش حياة جميلة ومستقرة، وهذا لن يكون إلا إذا تصالحنا مع داخلنا. تخيلوا معي يمضي العمر والسنوات وما زالت في قلوبنا غصة.. من المسؤول؟! هي دعوة صادقة لمحبة أنفسنا والتوازن في مبدأ الأخذ والعطاء مع الكل، وأن نصحح مفهوم حب الذات ونفرق بينه وبين الأنانية. هي دعوة صادقة أيضا لأبنائنا.. تقربوا من والديكم اشعروهم بالحب ليس فقط بالواجب، هم يحتاجون منا لـ "يد حانية" و"قلب نابض" بالحب، ذات يوم سنكون مكانهم كما نزرع نحصد.
مشاركة :