صنع الرئيسان الأميركي باراك أوباما والكوبي راؤول كاسترو حدثًا تاريخيًّا باجتماعهما الذي كان مرتقبًا مساء أمس على هامش قمة الأميركتين في بنما. وكانت قمة الأميركتين افتتحت بمصافحة بين الرئيسين وتبادل بضع كلمات مع ابتسامة، وهي الخطوة التي لاقت ترحيبًا واسعًا وسط قادة الدول المجتمعين. وفي خطابه أمام القمة، قال أوباما أمس إن تغيير سياسته إزاء كوبا والتقارب بينها وبين الولايات المتحدة يشكلان «نقطة تحول» بالنسبة للمنطقة. وأضاف: «كوني أنا والرئيس (راؤول) كاسترو جالسين هنا اليوم يمثل حدثا تاريخيا». إلا أن أوباما أقر بأنه ستظل هناك خلافات بين البلدين اللذين يتفاوضان على استعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما والمنقطعة منذ 1961. وأوضح: «لا أعتقد أنه من السر أنه ستظل بين بلدينا اختلافات كبيرة، وأعتقد أن الرئيس كاسترو يوافقني على ذلك. سنواصل الدعوة إلى تطبيق المبادئ العالمية التي نعتقد أنها مهمة. وأنا واثق أن الرئيس كاسترو سيواصل الدفاع عن القضايا التي يعتقد أنها مهمة». ومن جانبه، دعا كاسترو في خطابه أمام القمة إلى رفع الحظر الأميركي على بلاده، وطلب من واشنطن «قرارا سريعا» بشأن سحب كوبا من اللائحة الأميركية للدول التي تتهمها بدعم «الإرهاب». وقال كاسترو إن مسالة الحظر المفروض على بلاده منذ 1962 «يجب أن تحل»، مؤكدا أنه سيعتبر «قرارا سريعا» أميركيا بسحب بلاده من لائحة دعم الإرهاب «خطوة إيجابية». وقبيل أول لقاء بين رئيسين كوبي وأميركي منذ 1956، وصف كاسترو الرئيس الأميركي بالرجل «النزيه»، وقال: «الرئيس أوباما رجل نزيه». وشكلت هذه التطورات علامة فارقة في طريق تحسن العلاقات الأميركية - الكوبية الذي أعلن عنه بعد 18 شهرا من محادثات جرت بسرية كبيرة وسمحت بطي صفحة نزاع استمر أكثر من نصف قرن. وقال بن رودس كبير مستشاري الرئيس الأميركي: «نطلق عملية جديدة. الأمر ليس مجرد رئيسي دولتين يجلسان معا، بل تغيير أساسي في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع كوبا؛ حكومتها وشعبها ومجتمعها المدني». وتضمن جدول أعمال المحادثات خصوصا استئناف العلاقات الدبلوماسية الذي يتأخر على الرغم من ثلاث جولات من المفاوضات على مستوى عال في هافانا وواشنطن. والعقبة الرئيسية لإعادة فتح السفارات هي وجود كوبا على اللائحة الأميركية للدول المتهمة بدعم الإرهاب الذي يمنع الجزيرة الشيوعية من الحصول على مساعدة دولية. وقال البيت الأبيض قبل اجتماع الرئيسين أمس إن أوباما «ليس بعد في مرحلة» اتخاذ قرار في هذا الشأن، لكنه لم يستبعد «إعلانا ما» في بنما. وصرح المحلل في المعهد الأميركي للدراسات الاستراتيجية (آي إتش إس) بأن «الشطب الممكن (لكوبا) من اللائحة سيعكس انتقال العلاقات الأميركية - الكوبية إلى مرحلة أكثر براغماتية. إنها خطوة كبيرة لكن العملية برمتها ستبقى محدودة بسبب الحظر الأميركي. وقد فرض هذا الحظر في فبراير (شباط) 1962 وتم تشديده بقوة في قانون هيلمز برتون في 1996، على الصفقات الاقتصادية والمالية مع كوبا. وتدين هافانا هذه الإجراءات معتبرة أنها تشكل عقبة في طريق إنماء الجزيرة، وتقدر قيمة أضراره بـ116 مليار دولار. ومنذ الإعلان التاريخي عن التقارب مع كوبا، طلب أوباما من الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون العمل على رفع الحظر؛ لأنه لا يستطيع البت في ذلك بمفرده. لكن المجلسين منقسمان جدا بشأن هذه القضية. وبانتظار قرار من الكونغرس، اتخذ أوباما سلسلة إجراءات تخفف الحظر بحدود صلاحياته الرئاسية، لكن هافانا اعتبرتها «غير كافية». ولاقى ذوبان الجليد في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا استحسان زعماء أميركا اللاتينية. وحتى الرئيس الفنزويلي الاشتراكي نيكولاس مادورو خفف من الحدة المعتادة لتصريحاته المناهضة لواشنطن وامتدح التقارب، وكذلك مشاركة كوبا في القمة للمرة الأولى. وقال مادورو: «وجود كوبا هنا هو أعظم إنجاز لأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي». وأضاف، في إشارة إلى الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو الذي سلم السلطة لشقيقه راؤول عام 2008: «عندما جلس راؤول على هذا الكرسي الذي يخص كوبا جلست 60 عاما من الثورة معه وجلس فيدل». ويفترض أن تنتهي هذه القمة التي تعقد تحت شعار «ازدهار في إطار المساواة» دون بيان ختامي؛ إذ إن الولايات المتحدة ترفض أي فقرة تعبر عن الدعم لفنزويلا في خلافها مع واشنطن. ويواجه أوباما منذ أسابيع انتقادات من دول أميركا اللاتينية التي شعرت بالاستياء من قراره الأخير توقيع مرسوم يعتبر فنزويلا الشريكة الاقتصادية الرئيسية لكوبا، «تهديدا» للأمن الداخلي للولايات المتحدة. وقال الرئيس البوليفي الاشتراكي إيفو موراليس لشبكة التلفزيون الفنزويلية «تيليسور»: «سيكون أمرا جيدا أن يقدم أوباما الذي يمثل بلدا بهذه الأهمية في أميركا والعالم، مقترحات تسمح لنا بالاتحاد والتحول إلى أميركا سلام». وأضاف أن رؤساء الدول الإحدى عشرة الأعضاء في التحالف البوليفاري للأميركتين (ألبا) التي تضم الحلفاء الرئيسيين لفنزويلا، سيعقدون اجتماعا على هامش قمة بنما للبت في الإجراءات التي يجب اتخاذها في هذا الاتجاه. أما الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو فكان ينوي تسليم أوباما عريضة تحمل تواقيع أكثر من 13 مليون شخص وتطالب بإلغاء هذا المرسوم. وسعيا إلى تهدئة، أوضح البيت الأبيض أنه يسعى إلى فتح «حوار مباشر مع فنزويلا». وفي هذا الإطار، قال الرئيس الأميركي أول من أمس قبيل افتتاح قمة الأميركتين إن «الزمن الذي كنا كثيرا ما نعتبر أن الولايات المتحدة يمكنها القيام فيه بتدخلات بلا عقاب ولى».
مشاركة :