هنيئا لكم حجاج بيت الله والمشاعر أعيادكم. أكتب هذه المقالة وأنا صائم يوم الوقوف بعرفات مثلي في ذلك مثل كل مسلم لم يكتب له الحج هذا العام اتباعا لسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ورغم بعد المسافة إلا أن أفئدتنا تهوي إليكم، وتلبيتنا رجع صدى لتلبيتكم، وتكبيراتنا تضج في الآفاق بعد تكبيراتكم. صمنا تقربا لله بالطاعات ليعطينا بعض ما أعطاكم من الرحمة والمغفرة. صمنا تضرعا لله أن يجعلنا من المقبولين فيغفر لنا عامنا هذا وعاما بعده بحسبما أخبرنا سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم. أما أنتم فقد باهى الله بكم أهل السماء وعتق رقابكم من النار وستعودون بإذنه كيوم ولدتكم أمهاتكم. ورغم أنكم أعفيتم من الصيام مثلنا في هذا اليوم العظيم إلا أن خالق الأكوان رفع منزلتكم فوق منزلتنا بأن جعل من وقفتكم على صعيد عرفات الطاهر عيدا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام) رواه أبو داود وصححه الألباني. فأنتم والمسلمون جميعا اليوم في عيد متصل أرجو الله أن يمتد إلى كل بلاد المسلمين. والأمل بالله الذي جعل هذا البلد آمنا ورزق الله من الثمرات أن يحل الأمن في كل بلاد المسلمين ويهيئ لهم من أمرهم رشدا. أما اليوم الأربعاء فثاني أيام النحر أو التشريق وأيام منى هي أيام أكل وشرب وذكر لله. فقد ثبت أن العديد من الخلفاء الراشدين وغيرهم كانوا يحافظون على التكبير المقيد عقب كل صلاة والتكبير غير المقيد في كل وقت وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا. ولأننا كمسلمين في أيام عيد فلا أرغب في تذكيركم إخواني ضيوف الرحمن وضيوفنا بما يكدر خواطركم من أحوال المسلمين إلا أن ما لا أتردد في تذكيركم به هو أن هذه الأرض التي تقفون عليها وقف عليها قبلكم عدد كبير من الرسل والأنبياء. فاستحضروا ذكراهم ومواقفهم. استحضروا ذكرى أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام وهو يتل ابنه للجبين إرضاء لله وكيف كان الله أكرم وأرحم ففدى ابن إبراهيم بذبح عظيم. واستحضروا إسماعيل الذي أذعن لأمر أبيه بذبحه دون مقاومة بل شجعه على الطاعة وقال له يا أبت افعل ما تؤمر وستجدني إن شاء الله من الصابرين فيالعظم الطاعة ويالعظم الرضى. وأخيرا أرجو أن تستحضروا خطبة الوداع التي ودع بها نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أمته يوم عرفة فهي بمثابة الدستور الذي نحتاج لتذكره اليوم وغدا وكل يوم خاصة ما يتعلق منها بالدماء والأعراض والأموال حين قال «أيها الناس أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في عامكم هذا في بلدكم هذا...». ما أحوجنا وأحوج الحجاج القادمين من بلاد يسفك فيها الدم المسلم على مدار الساعة دون رادع من دين أو خلق لتذكر هذه الحرمات الثلاث المادية والمعنوية وتذكير الآخرين بها والعمل على تعميمها والالتزام بها ويا حبذا لو رفعها كل حاج شعارا عند عودته لبلده وأهله بتذكيرهم بها وإعلانهم بالتزامه بها فلا يقتل ولا يسرق ولا ينتهك عرضاً وينهى غيره عن ارتكابها. لم لا نرفع لكل حج شعارا بحسب مقتضيات حاجة الأمة وليكن شعار حج هذا العام حج الالتزام بالحرمات الثلاث وكل عام وأنتم بخير.
مشاركة :