قدَر المملكة العربية السعودية أن تكون جارة لليمن من الشمال، وقدَرها ألا يكون اليمن مستقرًا في معظم حقب تاريخه ملكيًا كان أم جمهوريًا، وعدم الاستقرار في اليمن يؤرِّق المملكة دون شك، ويهدِّد حدودها، وحتى أمنها الداخلي. وقد شهد التاريخ الحديث والمعاصر أحداثًا كثيرة، وقلاقل وحروبًا فرضت على المملكة التدخل أحيانا لحماية حدودها وأرضها منذ عهد مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، ومؤسس اليمن الشمالي الحديث الإمام يحيى حميد الدين (رحمهما الله). ولكم تعرّضت المملكة لاعتداءات وتهديدات كثيرة في عهد اليمن الجمهوري تعاملت معها المملكة بحكمة، وبقدر غير قليل من الصبر وضبط النفس على الرغم من أن المملكة قوة كبيرة في المنطقة، وهي دولة مرهوبة الجانب، ومنصورة بإذن الله في جميع الحروب التي خاضتها مع اليمن. ومع ذلك فقد وطنَت نفسها على ألا تكون دولة معتدية، وألا تبدأ أحدًا بحرب، فإذا فرضت عليها سرعان ما يسبق حزمها عزمها، وغضبها حلمها، وسرعان ما تصطلي بنارها، ولسان حالها يقول: لم أَكُنْ من جُنَاتِهَا عَلِمَ اللهُ وإنِّي بحَرِّهَا اليومَ صَالٍ نعم!! لم تكن المملكة من جُناة الحروب، ولا من دعاتها الذين يفتعلونها لأتفه الأسباب، ولم يسجِّل التاريخ أنها بدأت جارتها اليمن بحرب، أو أضمرت لها غدرا، بل إن استقرار اليمن، وتنميته ورخاءه، وإسعاد أهله من أولويات المملكة، ولو أحصينا ما قدمته المملكة وتقدمه من عون ودعم لليمن الحديث في كل مجال من مجالات الحياة لا استغرق ذلك منا مجلدات ضخمة. إن ما جرى ويجري في اليمن خطير وخطير جدًا حينما اختطفته أقلية جبلية متعجرفة لا تجيد فنون السياسة، ولا مهارة الحكم، أو قيادة الأمة، فامتلأت زهوًا بانتصاراتها المزعومة، وتوسعاتها الموهومة، وهتافات غوغائياتها المسمومة. فتمادت وتوسعت وانتشرت، وغرّها حلم العقلاء، وشجّعها جهل الجهلاء، فمنّت نفسها الأماني، وظنت ألا رادع لها، خصوصًا وهي تحظى بدعم وتأييد ومشاركة فعليّة مكشوفة من أشْأم عاد علي عبد الله صالح وزمرته الذين عزّ عليهم ترك السلطة بعد أن أفسدوا في اليمن على مدى 34 عامًا، تمكنوا خلالها من نهبه، ونهب خيراته، وأعادوه إلى حقبة الجهل، وعصور الظلام. ويزيد من خطورة ما جرى ويجري في اليمن، ما نسمعه من تهديدات للمملكة، وتربّص بها، وبأراضيها، وأمن أهلها، واستعدائهم عليها قوة خارجية لا تُخفي عداءها للمملكة، وأطماعها في أراضي دول مجلس التعاون الخليجي، فبسطت لها أرضها، ومكنتها من أجوائها ومياهها الإقليمية، وجميع مراكزها الحيوية والاستراتيجية، فأصبحت بذلك خنجرًا في خاصرة المملكة العربية السعودية، وتهديدًا لأمنها، وأمن دول مجلس التعاون قاطبة، بل وتهديدًا للتجارة العالمية في البحر الأحمر. وفضلاً عن ذلك ما يُخشى عليه من انفراط عقد اليمن، وتحوِّلها إلى دولة توشك أن تكون دولة فاشلة. كل ذلك مع الاستغاثة المدوِّية التي طلبها رئيس اليمن الشرعي من دول مجلس التعاون خاصة، والدول العربية عامة، وما سبقها من بعث الوفود الأممية والمحلية، والرسائل الداعية إلى الحوار، ثم الإنذارات التي سبقت العاصفة، كل ذلك، ومن يسمون أنفسهم أنصار الله لا يزدادون إلا عنادًا وتماديًا في غيِّهم، فكانت عاصفة الحزم التي جاءت في وقتها بعد إعذار وإنذار، وصبر وطول نَفَس، فهي غَضْبَة حليم وتَصَرّف حكيم بعد أن نفد صبره، وكما قيل اتقوا غضبة الحليم إذا غضب. ولا يخامرني شك في أن هذا الحليم الذي غضب والحكيم الذي تصرّف سيكون أكثر حلمًا وحكمة لو جنح من يسمون أنفسهم أنصار الله، ومن لفّهم إلى السلم، واستجابوا لنداء العقل، وغلّبوا لغة الحوار، فإنهم سيجدون المملكة كعادتها خير راع، وخير مصلح لشأنهم، وليتذكروا كل المبادرات التي رعتها المملكة من مؤتمر حرض مرورًا بمؤتمر الطائف إلى المبادرة الخليجية الأخيرة التي أخرجت اليمن من عنق الزجاجة، وجنّبتها فتنة ما كان لأحد أن يسلم من شرها لولا لطف الله ثم تلك المبادرة الخليجية. رابط الخبر بصحيفة الوئام: عاصفة الحزم: غضْبَة حَلِيْم وتَصَرُّفُ حَكِيْم
مشاركة :