نجحت جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، في استخدام "الباب الدوار"، مع إيديولوجيا التكفير والتطرف وتعاطيها مع جماعات العنف "المسلح"، مما سمح لها بالدخول والخروج منه متى شاءت، بمسوح من "الطهر" و"النقاء". وذلك بعد أن نجحت في تسويق دعايتها بعد أحداث 11 سبتمبر، أولا كـ "حمامة سلام" و"بديل معتدل عن الحركات الراديكالية الأصولية، وثانيا بتسويق مشروعها "السياسي" البديل، لدى الأنظمة "العربية والخليجية" وكذلك الغربية، بقدرتها على تطويع الجماعات "الجهادية"، عبر فتح باب الحوار والمناظرة، مع السجناء "الجهاديين"، بلجان شرعية تكون تحت رعايتها. لتنجح سياسة الـ" Revolving Door" "الباب الدوار" من قبل جناح "اليسار" من الإسلام السياسي من حصد مكاسبه السياسية قبيل بزوغ "ربيعهم" وتحديدا في العام 2010. "مراجعات الصلابي" من ذلك مراجعات الجماعة الإسلامية المقاتلة في لبيبا بعد جولات من الحوار مع الدولة الليبية، من خلال مؤسسة القذافي للتنمية، التي رأسها "سيف الإسلام" نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، أشرف عليها عدد من عناصر جماعة الإخوان المسلمين والتيار الصحوي في ليبيا وخارجها، على رأسهم الداعية السعودي سلمان العودة، والذي يحاكم حالياً في السعودية. أسفرت عن كتابة قادة الجماعة عدداً من البحوث والدراسات الشرعية تحت عنوان: "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس"، وعرفت بـ"المراجعات". ونسج هذا الحوار والمراجعات علي محمد الصلابي، المصنف على قائمة الإرهاب من قبل الرباعية العربية، والمنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، والمرتبط بعناصر وقيادات الجماعة الليبية المقاتلة وتنظيم القاعدة، وعضو اتحاد علماء المسلمين، الممول من قطر. ليسفر عن إخراج عدد من قياديي جماعتي الإخوان و"المقاتلة" من السجون بينهم عبد الحكيم بلحاج، قبل أن يختار "الصلابي" منفاه الجديد في تركيا وقطر، بعد الثورة الليبية ومقتل الرئيس الليبي معمر القذافي وانضمامه إلى جماعة الإخوان، التي تهيمن على حكومة طرابلس المدعومة من تركيا وقطر. الصلابي امتدح بادرة "سيف الإسلام" نجل معمر القذافي، ورعايته لجلسات الحوار والنقاش قائلاً في لقاء صحافي أجرته معه قناة "الجزيرة" ونشر على موقعها في إبريل 2010: جمعية القذافي برعايته بفضلها استطاعت كثير من الأسر الليبية التي شاركت في القتال في أفغانستان العودة إلى ليبيا، وهيأت لهم الجمعية جوازات السفر والوثائق معززين مكرمين إلى أهاليهم، فكانت هذه أرضية، الأرضية الثانية كانت متمثلة في تبني ملف الإخوان المسلمين في ليبيا.. وتوجت مجهودات بقيادة (سيف الإسلام) من خلال المؤسسة بخروج عناصر الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة الذين كانوا مع بعضهم في السجن. وأضاف عن المرجعية التي استندت إليها المراجعات: "هي الرجوع إلى الإسلام ولفهم العلماء المعتمدين والثقات للإسلام.. وفك الاشتباك بين التيار الإسلامي الصحوي الأصولي في ليبيا وبين الدولة.. المرجعية اعتمدت على أصول قرآنية وعلى أحاديث نبوية صحيحة، وعلى الرجوع للمصادر الأصلية للعلماء مثل ابن تيمية وابن القيم.. وكذلك من العلماء المعاصرين مثل الشيخ حمد حسن الددو العالم الكبير الموريتاني والدكتور الذي يعتبر من أكبر أهل الأرض في علم المقاصد الشرعية الدكتور الريسوني، وكذلك الشيخ سلمان العودة وغيرهم من العلماء المعاصرين وكذلك الشيخ الصادق الغرياني". رسائل التأييد من صقور الإخوان لتخرج بها سريعاً رسائل التأييد من قبل صقور التنظيم الدولي لجماعة الإخوان على رأسهم المصري- القطري "يوسف القرضاوي" والسعودي "سلمان العودة"، والمغربي "أحمد الريسوني" رئيس الاتحاد العالمي حاليا لعلماء المسلمين التابع لقطر، والموريتاني "محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي" عضو مجلس الأمناء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس مركز تكوين العلماء بموريتانيا. المراجعات التي زعمت جماعة الإخوان المسلمين إقرارها في مسائل الخروج المسلح على الحكام والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "الاحتساب السياسي وفق المفهوم الصحوي"، والغلو بإنزال الأحكام على الناس. عاد الصلابي ومجموعته إلى تبنيها من جديد بمجرد بدء ما سمي بثورة ليبيا، كان ذلك بانضمام "علي الصلابي" بعد عام واحد في مارس 2011 إلى ما سمي بكتائب الثوار في حوار مع صحيفة الشروق الجزائرية قال فيه: "إن خروج الشعب في ليبيا على القذافي ونظامه فرض عين يجب أن لا يتخلف عنه أحد.."، وأشار في حديثه إلى عقد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين اجتماعاً عاجلاً برئاسة القرضاوي، وتبنى هذه الفتوى إجماع كافة آراء العلماء. ولد الددو.. والدوران مع طيف الإرهاب وعلى الضفة المقابلة في موريتانيا، وبالتزامن مع المراجعات في ليبيا، خرجت زعامات الإخوان المسلمين وباقي تيارات الإسلام السياسي الموريتانية في مطلع العام 2010، بالدعوة إلى فتح باب الحوار مع التيار السلفي الأصولي ومقاتلي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وذلك ضمن دعاوى ترسيخ مبادئ الديمقراطية. ليشكل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، ندوة علمية خصصت لبحث موضوع "التطرف في الدين"، وشارك فيها العشرات من علماء الدين من مختلف المشارب والمذاهب، بحضور علماء الصوفية والإخوان المسلمين والعلماء الرسميين التقليديين. أقر على إثرها تشكيل لجنة علمية ضمت عدداً من العلماء، طلب منها دخول السجن ومناقشة سجناء تيار السلفية "الجهادية" في موريتانيا، وكان من بين نقاط الحوار التي وقفت عليها رموز القاعدة في بلاد المغرب من بينهم "محمد سالم" الملقب بـ"المجلسي" والموقوف لرفضه للنظام الديمقراطي، الذي لطالما اعتبره نظاما كفريا لا ينبغي للمسلمين أن يحتكموا إليه. ولحصد المكاسب السياسية عمد تيار الإسلام السياسي ممثلاً بجماعة الإخوان المسلمين في موريتانيا إلى تصدير ولد الددو، كممهد وصانع لهذه المراجعات الفقهية، وكنقطة انطلاق لكف رفع السلاح من قبل الجماعات المتطرفة في وجه النظام السياسي والحكومة الموريتانية، وبعد أن بدأت "القاعدة" بتنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية في موريتانيا منذ العام 2005 وحتى نهاية العام 2009، كان آخرها اختطاف 3 إسبان كانوا ضمن قافلة خيرية. محمد الحسن الددو، الذي أمضى 3 سنوات في السجن بموريتانيا خلال حكم الرئيس الموريتاني "معاوية ولد سيدي أحمد الطايع"، والذي وصفه بـ"المفتون المفتتن"، علق على المبادرة الرسمية الحكومية قائلاً: "مما يشكر للرئيس الحالي محمد بن عبد العزيز وفقه الله هذه المبادرة التي لاشك أنها قرار جريء وشجاع .."، مشيراً في لقاء مع قناة الجزيرة، أن من بين محاور النقاش كان: "ذلك أساسا في قضية تكفيرهم رأس النظام الموريتاني ومن يساعده في مستوى معين وأيضا يرون إباحة دماء المستأمنين .. واتفقنا في قضية التكفير أن الدار دار إسلام وأن الشعب مسلم وأن الإيمان والكفر توقيفان ولا يمكن أن يعرفا إلا بوحي ..". وأضاف من بين جملة القضايا: "ومن ذلك شبهة تعطيل الأحكام الشرعية فقلنا لهم، إننا لا ننكر أن الكثير من الدول الإسلامية عطلت الكثير من الأحكام الشرعية، ونحن نطالبها بتنفيذها، لكننا نرى أن هذا التعطيل ليس تبديلاً، والتبديل كفر والتعطيل ليس كفرا..". بعد اصطناع هذه المحاججة خرج ولد الددو رئيس مركز تكوين العلماء، وجامعة عبد الله ابن ياسين اللذين أغلقا مؤخراً بقرار من قبل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، ومهاجمته لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" وهو فرع الإخوان في موريتانيا، إلى دحض فتواه سريعا مع ما وصفه الإسلامويون بـ" الربيع العربي"، ليؤكد في فتوى له في 2014 بوجوب الخروج على الحكام، وذلك في لقاء على إحدى القنوات التابعة لجماعة الإخوان باعتبار "أن لا أحد من الحكام يطبق شرع الله" قائلا: "بالنسبة للنصوص التي ذكرتها، إنما هي لولي الأمر الذي يطبق شرع الله، أي نائب عن رسول الله في تطبيق شرع الله وكل الذين قامت عليهم الثورات ليس أحد منهم يدعي أنه ولي رسول الله وخليفته ونائبه في تطبيق شرع الله، ولا يطبق أحد منهم شرع الله، ولذلك فليس لأي منهم صفة شرعية يمكن أن ينالوا بها هذا المقام وإنما وصلوا إلى هذا المكان بالتغلب، فإذا زال التغلب زال حكمهم، وزالت مصداقيتهم وهم الخارجون على النظام والخارجون على الناس فهم الخوارج". أما موقفه من ما سمي بـ"الربيع العربي" فجاء كالتالي: "عطل شرع الله وظهر الفساد في البر والبحر وظلم الناس كما هو حاصل في سوريا وتونس وليبيا واليمن لابد أن يتحرك الناس.. يجب الوقوف معهم". هذا الموقف "المصلحي"، ومساعيه في حصد المكاسب السياسية، ممثلاً عن جماعة الإخوان، من خلال "المراجعات"، عبر عنه أحد قادة السلفية الجهادية والملقب بـ"أبي المنذر الشنقيطي"، وذلك في رسالة مطولة بعنوان "الانتصار للسجناء الأبرار في فتنة الحوار رد على الشيخ محمد الحسن ولد الددو"، نشرت في مواقع تنظيم القاعدة واحتفظ بنسخة منها زعيم التنظيم "أسامة بن لادن"، حيث جاءت ضمن وثائق أبوت آباد. وجاءت الرسالة رداً على لقاء ولد الددو في موقع " الجزيرة نت"، مبينا فيها بطلان قناعات السجناء السلفيين، وأنه استطاع إقناعهم بالتراجع عن معتقداتهم الشرعية السابقة وعن الفكر الجهادي الذي اعتنقوه"، ومتعجبا كيف لولد الددو أن يسخر: "من التكفير بموالاة الكفار الذي كان هو يعتبره كفراً". وما يهمنا في رسالة "القاعدي" أبي منذر الشنقيطي، توضيحه دوافع استغلال جماعة الإخوان ملف المراجعات والحوار مع التيار الأصولي الراديكالي قائلاً: "لقد كان ولد الددو هو الأكثر غيابا في هذا الحوار حيث لم يحضر إلا في الوقت الضائع، ولم يساهم بما ساهم به بقية الشيوخ الآخرين.. نحن نفهم لماذا يحاول "الإخوان" جعل ولد الددو هو الشخصية المحورية والفاعل الأبرز في هذا الحوار، الأول: محاولة جعل ولد الددو الذي يعتبر رمز الإخوان هو النجم اللامع في سماء العلماء في موريتانيا وتمكينه من التربع على عرش الفتوى والزعامة الدينية لتمكين الإخوان من خلاله في الساحة الدينية، الأمر الثاني: إن الإخوان يحاولون من خلال تلفيق دور محوري لابن الددو في هذا الحوار أن يقولوا للحكومات الغربية والحكومات المحلية: كما أنكم تحاربون الإرهاب فنحن أيضا نقف ضده، فكل منا يحارب الإرهاب على طريقته الخاصة". ولفهم "الكمون" تحت الأرض، ضمن إيديولوجيا تيارات الإسلام السياسي، نعود لحديث علي الصلابي القيادي في جماعة الإخوان الليبية وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي جاء في معرض رده على عبد الحكيم بلحاج القيادي في الجماعة المقاتلة والمؤيد لتنظيم القاعدة وداعش، الذي اعترض على ما سمي بالمراجعات مقللاً من مصداقيتها. فجاءت رسالة "الصلابي" وفقاً للقراءة الحركية المرحلية في حينه: "أنا مع الشيخ علي بن الحاج بأن الفكر يحتاج إلى الحرية والنور ولا يحتاج إلى السجن والظلام، لكن لا ننسَ أن يوسف عليه السلام قدم تجربته الإصلاحية الكبرى التي أسهمت في إنقاذ مصر من السجن، قال تعالى: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ )، وكانت خطة يوسف قد تضمنت معالم التخطيط والإدارة واستشراف المستقبل، وقد كانت هذه الرؤية من داخل السجن وفي هذا درس عظيم، ربما يفتح الله على السجناء معالم لم يفتح بها على غيرهم". هنا بحسب "الصلابي" ووفق منهج الإسلامويين الحركي فالتخطيط الاستراتيجي الكامن في تنظيم "المراجعات" والخروج على إثرها من السجن، ما هو إلا استعدادا لإعادة استثمار الحصاد في "ربيع" الإخوان، الذي لم يسفر إلا أن عن "بقرات" عجاف.
مشاركة :