عندما التقى سكوت موريسون رئيس وزراء أستراليا، أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية خلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت أخيراً في الأرجنتين خلال الشهر الماضي، التُقِطت صورة للمستشارة الألمانية وهي تبحث في دفتر إحاطة عن ملاحظات حول رئيس الوزراء الأسترالي الجديد. لم تكن ميركل الوحيدة التي بدت عليها الحيرة، فنظراؤها في مجموعة العشرين كانوا يعانون أيضا لمواكبة ثقافة الزعامة الوحشية المعروفة باسم "الباب الدوار"، التي تتسم بها السياسة الحديثة في أستراليا؛ حيث شهدت البلاد زعامة ما لا يقل عن خمسة رؤساء وزراء خلال خمس سنوات، بمعدل عام أو أكثر أو أقل قليلا في المنصب. كان دونالد ترمب صريحا أكثر عندما التقى موريسون، الذي حل مكان مالكولم تيرنبول عقب انقلاب قيادة داخل الحزب الحاكم جرى في آب (أغسطس) الماضي. وقد سأل موريسون ببساطة عما كان قد حصل لسلفه، الذي أنشأ علاقة مع الرئيس الأمريكي بعد أول مكالمة هاتفية صعبة أجراها معه. انزلاق كانبيرا إلى عدم الاستقرار السياسي هو واحد من عدد من العوامل التي يخشى النقاد أن تحد من قدرة الحكومة على التأثير في الأحداث العالمية، في الوقت الذي تواصل فيه الصين توسيع نطاق نفوذها عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ. كما يشيرون إلى انخفاض 25 في المائة في الإنفاق على المساعدات الأجنبية بالقيمة الحقيقية منذ عام 2013، وفشل الائتلاف الليبرالي الوطني في الانخراط بفاعلية في الجهود متعددة الجنسيات، التي تهدف إلى التصدي إلى مشكلة التغير المناخي وأزمة الهجرة العالمية. قال مارك بيسون، أستاذ السياسة الدولية في جامعة ميردوخ في بيرث: "من الصعب إحداث أثر عندما يتعين عليك التعريف بنفسك دائما، بأنك رئيس الوزراء الجديد خلال الاجتماعات. كما أن من الصعب أيضا أن تكون متمكنا من إحاطتك، أو أن يكون هنالك اتساق في القضايا". قال ماثيو دورنان، نائب مدير مركز السياسة الإنمائية في الجامعة الوطنية الأسترالية: "تم خفض ميزانية المساعدات الأجنبية لدينا إلى أدنى مستوى لها، الأمر الذي لا يعتبره شركاؤنا أمراً جيداً، علاوة على أنه يحد من نفوذنا الدبلوماسي". بين عامي 2012 و2017 تراجعت أستراليا من المرتبة الثالثة عشرة إلى المرتبة التاسعة عشرة، كأكبر جهة مانحة في العالم، فيما يتعلق بمبلغ المساعدات الخارجية مقارنة بقيمة اقتصادها، وفقا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "أوسيد". أحد العناوين الرئيسة في صحيفة أسترليان فاينانشيال رافيو Australian Financial Review صرخ بصوت عال: "مهزلة القيادة في أستراليا تصبح أمرا لعينا على المستوى الدولي"، في الوقت الذي تحدثت فيه صحيفة سيدني مورنينج هيرالد عن الأثر الذي أحدثته التغييرات في القيادة، وكيف عملت على تحويل البلاد إلى أضحوكة دولية. ارتقاء موريسون ليتولى منصب رئيس الوزراء في آب (أغسطس) الماضي، يوضح كيف أن تغيير القائد والضغوط السياسية في الداخل، يمكن أن تتسبب في حدوث فوضى في السياسة الخارجية. موريسون، بعد مواجهته احتمال إجراء انتخابات فرعية متقاربة الشهر الماضي في دوائرة انتخابية يعيش فيها عدد كبير من السكان اليهود، أعلن مراجعة موقفه من قضية نقل سفارة أستراليا في إسرائيل إلى القدس، وهو عمل يقلب السياسة تجاه الشرق الأوسط في محاولة واضحة للفوز بالأصوات. سلفه تيرنبول، كان قد رفض اتباع نهج الولايات المتحدة في نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، محذرا من أن هذا الأمر من شأنه تعريض علاقات أستراليا مع الدول الآسيوية المجاورة لها للخطر، علاوة على تسميم العلاقات مع الدول العربية ولربما الإسلامية. في غضون أيام من إعلان المراجعة، علقت إندونيسيا اتفاقية تجارة حرة تم إبرامها مع كانبيرا، في الوقت الذي اندلع فيه خلاف كبير مع ماليزيا، التي حذرت من أن مثل هذه الخطوة من شأنها استثارة مخاطر الإرهاب. خسر حزب موريسون الليبرالي في الانتخابات الفرعية، كما خسر أغلبيته البرلمانية رغم مراجعته قضية السفارة، الأمر الذي سخر منه النقاد باعتباره: مجرد "حيلة سياسية" مكشوفة، لم تنجح سوى في تقويض المصالح الوطنية. قال مايكل فوليلوف، مدير معهد لوي: "إن كنت شخصا جديدا في منصبك، وكانت هنالك حالة هائلة من عدم الاستقرار وخلل وظيفي في الداخل، فسيكون محور تركيزك الأساسي هو النجاة. وقدرتك على الإسهام في حل مشاكل "السياسة الخارجية" على الأمد الطويل ستكون محدودة". قال فوليلوف إن أستراليا - الاقتصاد الذي يحتل المرتبة الثالثة عشرة ضمن قائمة أكبر اقتصادات في العالم - لعبت في الماضي دورا مهما في تشكيل الشؤون الإقليمية، مثل اقتراح تأسيس الأبيك. إلا أنها الآن، كواحدة من البلدان الديموقراطية الليبرالية الأقل استقرارا من الناحية السياسية في العالم، تعاني لتشكيل الأحداث العالمية، أو تقديم مبادرات كبيرة تتعلق بالسياسة الخارجية، بحسب ما أضاف. ربما بسبب التوبيخ الذي لقيه من مجموعة العشرين، وافق حزب موريسون الليبرالي هذا الأسبوع على إدخال تغييرات على نظام الخلافة الداخلي لديه: حيث يمكن الآن الإطاحة برئيس الوزراء الليبرالي المنتخب من خلال ثلثي تصويت أعضاء البرلمان، بدلا من الـ 50 في المائة التي كانت مطلوبة في السابق. هذه التغييرات في القواعد مماثلة لتلك التي مورست من قبل حزب العمال، في أعقاب الإطاحة بكيفين رود وجوليا جيلارد كرؤساء وزراء عامي 2010 و2013، على التوالي. يتفق معظم المحللين على أن إجراء عدد أقل من التغييرات على رؤساء الوزراء ينبغي أن يحقق بعض الاستقرار في الجهود الدبلوماسية الأسترالية، ويمكن النظراء الدوليين على الأقل من معرفة من هو زعيم البلاد، في الوقت الذي تعصف فيه الأزمات بالعالم. مع الانتخابات التي من المقرر إجراؤها في أيار (مايو) المقبل، وتخلف الائتلاف الحاكم في استطلاعات الرأي، قد يلجأ زعماء مجموعة العشرين إلى مذكرات الإحاطة لديهم مرة أخرى العام المقبل، لتحديد هوية رئيس الوزراء الأسترالي المقبل الذي سيشاركهم القمة.
مشاركة :