قد يورد الشاعر في قصيدته عبارة اختارها من بيئته وثقافتها، لدلالتها وقيمتها إما الفنية أو التاريخية أو توثيقاً مقصوداً أو غير مقصود، ذلك لأن المتلقي يستجيب لما يفهم وما بان له فكون تلك العبارة لها أهمية كبيرة. لكن مع البعد الزماني والمكاني تبدأ حالة من الغموض حولها أو حول مفردات أو عبارات في النص الشعري أو الأدبي مما يثير تساؤل المتلقي عنها. من ذلك قولنا في المثل الشعبي "زبنة رشيد" تلك العبارة التي وردت في قصيدة المفقاعي، فنقول: تراي زابن عليك زبنة رشيد. إن من يتناول قصيدة المفقاعي تمر عليه عبارة "زبنة رشيد" مروراً عابراً دون أن يتوقف عندها، مع العلم أن مناسبة أي قصيدة وقصتها مهم جداً، وربما أهم بكثير من جمالياتها وصورها الفنية في بعض الأحيان وليس كل الأحيان، وتبقى الأولويات متغيرة من قصيدة إلى أخرى. يقول الشاعر منصور ناصر المفقاعي الهاجري: يا حبيبي حكمت وخل حكمك عدال سوّ بي ما تشا وافعل على ما تريد الله اللي عطاك وصوّرك بالجمال فارقٍ بالبها والملح فرقٍ بعيد من تجي راس ماله ما يبي راس مال إن حيا جنّته وان مات يكتب شهيد ليت من ينهبه يا سعود هاك الغزال ثم يزبن عليكم مثل "زبنة رشيد" آه من فات عمره ما اهتنى بالوصال راح عمري بلاش وعشت عيشة شريد جلّ من صوّرك وكمّلك بالكمال أشهد اللي ينالك ذاك حظّه سعيد يا حسين البها ما عاد فيّ احتمال باح صبري وحبّك كلّ يومٍ يزيد ساهراتٍ عيوني فيك طول الليال باكيٍ واتذلّل كود فيكم يفيد ما رحمتوا محبٍّ قد غدا كالخلال في هواكم سقيم وصار سقمه شديد ويجبر التساؤل بعض من يتلقى القصيدة على البحث حول عبارة "زبنة رشيد" التي صارت مثلاً، وما دلالتها ولماذا أوردها الشاعر؟ في هذا البيت: ليت من ينهبه يا سعود هاك الغزال ثم يزبن عليكم مثل "زبنة رشيد" فمعروف معنى الدخيل والالتجاء وأيضاً مفردة (زبنة) والتي تعني طلب الحماية. وأما سعود الذي استند الشاعر عليه فهو الشاعر: الأمير سعود بن بندر بن محمد المتوفى العام 1986م. لقد أشار الشاعر إلى مصطلح (زبن وزبنة) وهذا المعنى يعرف بالدخيل، وحماية الدخيل والبحث في مشكلته معروفة من القديم، وهي في العالم عامة وفي العرب خاصة، والحالات التي يحصل فيها تقديم المال والروح والولد من أجل الوفاء والذمة والعهد والوعد تتكرر قصصها، ومن ذلك ما ذكر عن السموءل الذي لم يسلم الأمانة حتى مع فقد ولده. أما رشيد المذكور في القصيدة وضرب بزبنته والتجائه المثل "زبنة رشيد" فتتلخص قصته وتاريخها قبل خمس وسبعين سنة، فهو رشيد عالي الكيلاني (ولد في العراق العام 1893م وتوفي العام 1956م) سياسي عراقي من أسرة مرموقة تولى عدة مناصب في العراق منها المحاماة ووزارة العدل ورئيس الديوان الملكي ثم رئيس الوزراء، حتى كانت الحركة في بلاده العام 1941هـ وهي الفترة التي تقترب من الحرب العالمية الثانية والتي أعقبها هروب رشيد من ملاحقة بريطانيا، سعت بريطانيا للقبض عليه ولكنه لجأ إلى عدة دول عربية مثل سورية، وغير عربية، تركيا ثم ألمانيا، وبعد هزيمتها لم يعد في أمان فتوجه زابناً دخيلاً على المملكة، وهي آخر الحلول، فلم يجد الأمن والسلامة من ملاحقة بريطانيا إلا في السعودية بعد لجوئه. فزبنة رشيد كانت تعني الدخيل على الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، ولقصة دخوله الحدود وحضوره متخفياً موضوع يطول، حيث تأكد الملك عبدالعزيز من شخصه وعرف قضيته وطمأنه وقام بمراسلات حوله مؤكداً على أنه لن يتخلى عن دخيله، وبقي رشيد في المملكة في أمن وفي جوار الملك وصار له دوره المعروف في تاريخ تلك الفترة.
مشاركة :