تتفاقم الضغوطات على اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان من قبل قوى السلطة ومؤسساتها الإعلامية والأمنية إلى درجة أن بعض السوريين يفضلون العودة إلى سوريا والموت تحت سياط أجهزة النظام على البقاء المذل والمهين في لبنان، خصوصا بعد أن قامت أجهزة الأمن اللبنانية باعتقال وتسليم عدد من المعارضين السوريين إلى أجهزة نظام الأسد. وكان جهاز الأمن العام اللبناني قد عمل جاهدا على ما سماه “العودة الطوعية للنازحين السوريين” في ظل إجراءات أمنية وتحت وطأة تعقبات أمنية بحجة الدخول غير الشرعي إلى لبنان، أو بحجج تتعلق بالوثائق الشخصية وخلافه، ما حدا بعدة عشرات الألوف إلى الخضوع لهذه “العودة الطوعية” والتي لا يمكن حقيقة وصفها بالطوعية بل هي قسرية بكل معنى الكلمة. وفي أجواء يسيطر عليها تفاقم النزعة العنصرية التي يروج لها التيار الوطني الحر (العوني) ويقودها جبران باسيل وزير الخارجية ورئيس التيار، يصبح اللاجئون السوريون (الذين تصر قوى السلطة على أن تطلق عليهم تعبير “نازحون”، تهربا من المسؤوليات التي يفرضها القانون الدولي على دول اللجوء)، عرضة لكل أشكال التضييق والحصار ومنع العمل والتعقبات الأمنية والملاحقة والاعتقال، دون أن يتمتعوا بأية تغطية أو حماية قانونية أو سياسية. وإذا كان نظام بشار الأسد وجرائمه المريعة ودموية أجهزته وتدخل حزب الله والميليشيات المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني وراء اقتلاع مئات آلاف السوريين وتشريدهم بعد تدمير ونهب ممتلكاتهم واحتلال مدنهم وقراهم وبيوتهم في القصير وحمص والقلمون والزبداني وريف دمشق وسواها، ولا يزالون يمنعونهم من العودة إلا إلى المعتقل أو إلى الخدمة العسكرية، فإن المعارضة السورية بكافة أطيافها منشغلة بالتسويات التي تقودها تركيا وروسيا وإيران لحجز مكان لها فيها، وللحفاظ على امتيازات وضيعة لبعض عناصرها، فإن اللاجئين السوريين في لبنان المقيمين في مخيمات البؤس والملاحقين في حياتهم وفي لقمة عيشهم باتوا أيتاما عراة أمام الأحقاد العنصرية التي وسمت المرحلة الأخيرة من وجودهم في لبنان، في حين بات خافتا صوت الناشطين والمعترضين على الممارسات العنصرية بحقهم وعلى الإجراءات الأمنية التي تطاولهم. مرت عشرة أيام على إطلاق بيان الكتاب والمثقفين والناشطين الإعلاميين اللبنانيين الذي وقعه المئات منهم اعتراضا على تفاقم النزعة العنصرية خصوصا حيال اللاجئين، سوريين وفلسطينيين تحديدا، ولكن هذا البيان ظل يتيما ولم يتابع بإجراءات عملية تحوّل ما ورد فيه إلى أداة ضغط مؤثرة، وزاد في الطين بلة قرار وزير العمل اللبناني كميل أبوسليمان بمنع الفلسطينيين من العمل دون إجازة خاصة تصدرها الوزارة، ما أشعل احتجاجات واسعة في مخيمات الفلسطينيين في بيروت وصيدا. وإذا كانت المنظمات الفلسطينية قادرة على التأثير على السياسيين اللبنانيين لتجعل من قرار أبوسليمان مجرد حبر على ورق، فإن القرارات المتخذة بحق اللاجئين السوريين والممارسات والإجراءات اليومية من قبل عدد من البلديات والأجهزة الأمنية لا تجد من يحول دون حدوثها أو على الأقل تفاقمها، ما يضع اللاجئ السوري (وكذلك الفلسطيني السوري) بين خيارين قاتلين: إما الاستمرار تحت وطأة هذا الإذلال والسحق، أو العودة إلى زنازين بشار الأسد التي ما فتئت تخرج جثثا وأجسادا ممزقة. والمؤسف هو تلك السلبية الكاملة من قبل السوريين والناشطين الإعلاميين والحقوقيين العرب في أوروبا الذين خرجوا من تحت سياط الجلاد الأسدي والذين لا يخشون سطوة حزب الله في لبنان. لماذا لا يقدمون عملا يقي اللاجئين السوريين في لبنان بعضا مما يصيبهم وهم قادرون على التحرك باتجاه السفارات اللبنانية في أوروبا باعتصامات وتظاهرات لممارسة الضغط الممكن لوقف الممارسات القاتلة بحق لاجئي مخيمات البؤس في لبنان؟ وفي المقابل يفترض بمن وقّعوا بيان الاحتجاج على تفاقم النزعة العنصرية من كتاب ومثقفين وناشطين إعلاميين وقوى مدنية في لبنان أن يتابعوا بيانهم بما يحول حراكهم إلى وسيلة ضغط مؤثرة تسهم في الحد من معاناة مئات ألوف اللاجئين السوريين وغيرهم. لن أخوض في الأسباب المادية لتفاقم النزعة العنصرية في لبنان، ولكن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن هذه النزعة ليست إلا أداة لتعزيز سيطرة قوى بعينها حيث استفاد التيار الوطني الحر، في السنوات الماضية من تعزيز التوجه الطائفي الذي مكنه من توسيع سيطرته على الشارع المسيحي. التيار الوطني الحر تمكن من خلال ادعائه الذود عن حقوق المسيحيين من الاستحواذ على أكبر كتلة برلمانية وعلى أكبر كتلة حكومية. هذه النزعة وهذه الاستفادة تدفع قوى “مسيحية” أخرى إلى انتهاج هذا النهج والتسابق فيه وكانت نتيجة ذلك اتخاذ كميل أبوسليمان وزير العمل (ينتمي إلى القوات اللبنانية) قراره بحق اللاجئين الفلسطينيين على ذات الخلفية العنصرية. لا تقتصر الأضرار التي يخلفها النزوع العنصري على اللاجئين، سوريين وفلسطينيين، ولا على اليد العاملة الأجنبية في لبنان فحسب، بل ترخي بظلال قاتمة على علاقات اللبنانيين ببعضهم البعض كمجموعات طائفية ومذهبية تضعهم باستمرار على شفا حرب أهلية دائمة. هذا إضافة إلى وصمة العار التي باتت تلاحقهم بما فعل السفهاء منهم، والكارثة أن هؤلاء السفهاء يحتلون مراكز القرار.
مشاركة :