نشرت دار الإفتاء المصرية، الثلاثاء 16 يوليو 2019، فتوى ترد على سؤال: هل يجوز عند الاشتباه في المواليد تجربة الحامض النووي في إثبات النسب أو نفيه؟ وجاء الرد “يجوز إثبات النسب بالبصمة الوراثية إذا كان ذلك في عقد زواج صحيح -لا يتم اللعان فيه بين الزوجين- أو فاسد أو وطء شبهة؛ وذلك مراعاة لحق الطفل، وإحياء للولد، وحملا لحال المرأة على الصلاح، وكذلك في حالة التنازع على مجهول النسب، والاشتباه في المواليد وأطفال الأنابيب، وفي حالة ضياع الأطفال وحدوث الحوادث أو الكوارث وصعوبة التعرف عليهم، أما في حالة الزنا فلا يثبت نسب الطفل إلى الزاني أصلا، وإنما يُنسَب إلى أمه فقط؛ لأن ماء الزنا هدَر؛ أي لا يُعتَدّ به شرعا. ولأن نفي النسب له خارطة محددة في الشرع الشريف وهو اللعان، وهذا فيه الحماية للأولاد من جهالة النسب. والقاعدة: أنه يحتاط في النسب ما لا يحتاط في غيره. والله سبحانه وتعالى أعلم”. هذه الفتوى ليست أكثر من كسل عقلي ينتمي إلى عصور ما قبل الإسلام، ولا يمكن الاحتكام إليها أو القياس عليها الآن بهذا التبسيط. فتوى دار الإفتاء تكافئ الزاني بالإفلات من أن ينسب إليه ابن أثبت العلم يقينا أنه من صلبه بما لا يمكن إنكاره. ويبدو الكلام قادما من غبار صحراء ما قبل الإسلام، ولا يمكن فهمه إلا في ضوء منظومة جاهلية تدّعي النقاء العرقي، وتحصّن نظامها الطبقي غير الآدمي، فتدفع شدّاد العبسي إلى التبرؤ من ابنه عنترة؛ لأنه أسود أنجبته جارية سوداء. وفي صدر الإسلام فتاوى كانت امتدادا لعادات وقيم جاهلية ضمن صراع اجتماعي لم يكن ليُحسمَ في جيل أو جيلين، ويجب أن تدرس هذه الفتاوى في باب تاريخ الفقه وليس سريان مفعوله. والاستناد إلى مثل هذه الفتوى ليس إلا تفرقة جديدة تمثل امتدادا لنظرة دونية إلى المرأة انطلاقا من الفقه القديم، فيسجل كتاب “فقه السنة”، للسيد سابق، الموجود في أغلب البيوت المصرية، المجلد الثاني في صفحتي 563 و564 أن دية المرأة نصف دية الرجل، ودية الكتابيّ نصف دية المسلم، ودية المرأة من أهل الكتاب نصف دية المرأة المسلمة. أي أن دية المسيحية ربع دية الرجل المسلم. ويستند السيد سابق في هذه القسمة إلى ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم “قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلم”، رواه أحمد. إذا كان خطأ ما قد وقع، فيجب أن يتحمل مسؤوليته الطرفان. ومن غير الأخلاقي أن يستسهل الناطقون بالفقه عقاب المرأة، وينحازون إلى رجل سيحتمي بهذا الغطاء الديني فيكرر الخطيئة، ثم يدفع الابن البريء ثمن جريمتيْ الأب والفتوى التي لم تعد تُضخّ من منصات علوية كما كان في الماضي، حين كان الناس ينصتون إليها في الراديو أو التلفزيون، ويعجزون عن التواصل مع المفتي. الآن يسهل إيجاد تفاعل ونقاش حر لو فهمه المفتون، وما أكثرهم، لأدركوا عمق الجرح وخطيئة الإسراع إلى النقل وتغييب العقل. ففي التعليق على هذه الفتوى كتبت قارئة فكرة جديرة بإعادة النظر في الفتوى كلها. قالت القارئة “إن هذه الفتوى سوف تتسبب في مشكلة كبرى؛ فابن الزنا في هذه الحالة بعد إنكار نسبه إلى أبيه، والاكتفاء بنسبته إلى أمه، ربما تكون له من أبيه الحقيقي أخت لا يعرفها ولا تعرفه، وهكذا يتزوج الأخوان بناء على تكريم الأب بإعفائه دينيا من الاعتراف بابنه”. يجيز البعض من الشافعية للرجل أن يتزوج ابنته من الزنا. فهل يكفي انتفاء الشقّ القانوني الخارج من رحم الفقه البدوي لمثل هذا الاستحلال؟ أترك الإجابة لموقع “إسلام ويب”، “ماء الزنا لا يحرم كما يحرم ماء النكاح، لأنه لا حرمة له، وهو مذهب الشافعية وقول ابن الماجشون من المالكية، وعليه، فيجوز للرجل أن يتزوج بابنته من الزنا، وكذا أم من زنا بها، وابنتها وجدتها، ويجوز لمن زنا بها أن تتزوج من ولده ووالده وجده وهكذا.. وليس في قول من يرى جواز الزواج من بنت الزنا طعن في الإسلام، لأن من قال ذلك له حجته ودليله، والكفار يطعنون في أشياء كثيرة في الإسلام، بل إنهم يطعنون في أصل التوحيد، عليهم من الله ما يستحقون”. وعلى أي مجتهد يعمل عقله أن يحذر الاقتراب من الكفر. في تاريخ الفقه قضايا “تاريخية”. فمن العبث أن يوجد في أوروبا رجل مسلم داعشي الفكر ولو كان سلوكه معتدلا، يقول إن دية المسيحية ربع دية المسلم. كيف يتفق مثل هذا الهراء مع حرصه على الاستفادة من إعانة بطالة مصادرها ضرائب على بيع لحم الخنزير والخمور. ويرتبط بهذه القضايا التي تنتظر فقها جديدا الكلام عن قتل الأسرى من الرجال واسترقاق الأسيرات وتوزيعهن على المنتصرين.
مشاركة :