«التأمين على الحياة يباع ولا يشترى»

  • 7/19/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هناك قول مأثور قديم في الصناعة مفاده أن "التأمين على الحياة يباع ولا يشترى". لا أحد يستيقظ في الصباح ولديه رغبة شديدة لتدقيق الشروط والتفاصيل المطبوعة في أسفل بوليصة التأمين، لذلك غالبا ما يكون على الوكيل أو المستشار المالي بذل قدر من الجهد من أجل إقناع بعض من العملاء. بيد أن موجة جديدة من شركات التأمين على الحياة تعتقد أنه يمكنها فعل الأشياء بطريقة مختلفة. هناك شركات ناشئة منها بلو في هونج كونج، وبيجل ستريت في بريطانيا، وهافين لايف ولادر، في الولايات المتحدة تعتقد أنها تستطيع إقناع الزبائن بالشراء مباشرة، من دون الحاجة إلى العمل مع وسطاء تستخدمهم معظم شركات التأمين على الحياة، في أنحاء العالم كافة. يقول تشارلز هونج الرئيس التنفيذي لشركة بلو، "في صناعة التأمين، هناك فرصة هائلة. القناة الرقمية ستكون بديلا عن الأشخاص الذين يريدون أن يكونوا في موقع السيطرة". بدأ كثير من هؤلاء اللاعبين الجدد في سوق صناعة التأمين على الحياة في حالة الوفاة – بوليصة واضحة نسبيا، وإن كانت قد تتطلب من المشتري الإجابة عن بعض الأسئلة – التي تدفع مبلغا ثابتا عند وفاة شخص ما. قد ينتقل هؤلاء اللاعبون الجدد في وقت لاحق إلى تأمين أكثر تعقيدا، ومعاشات تقاعدية ومنتجات ادخار، وكلها تقع تحت الفئة الواسعة من أجل تغطية الحياة. تراهن الشركات الناشئة على أن سوق التأمين على الحياة العالمية، وفقا لشركة سويس ري Swiss Re قد ولّدت 2.8 تريليون دولار من أقساط التأمين العام الماضي، وستنتقل في نهاية المطاف إلى الإنترنت تماما كما حدث في شأن صناعة التأمين على السيارات والمنازل، في أماكن مثل بريطانيا. إذا كانوا محقين، فستكون هناك ثورة في الطريقة التي يعتني فيها الأشخاص باحتياجاتهم المالية. كما ستجبر أيضا بقية الصناعة على إعادة التفكير في مسارها إلى السوق، فيما سيكون أخبارا سيئة لملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، الذين يكسبون رزقهم من بيع منتجات التأمين على الحياة. في الصين وحدها، يقدّر بنك يو بي إس أن هناك أكثر من ثمانية ملايين شخص يعملون كوكلاء تأمين. لطالما كان المستشارون والوكلاء جزءا أساسيا من الصناعة. "الرجل من برو" كان لأعوام مظهرا ثابتا من مظاهر المجتمع البريطاني، يذهب من باب إلى باب من أجل بيع بوالص التأمين من شركة برودنشال. الوكيل من شركة برودنشال هذه الأيام، من المرجح أن يكون امرأة أكثر مما أن يكون رجلا، لكن المبدأ لا يزال على حاله، حيث يبقى الوكلاء والمستشارون طريقها الرئيس إلى السوق. في آسيا وحدها، يعمل لدى شركة برودنشال أكثر من 660 ألف وكيل يخدمون 15 مليون عميل في سوق إقليمية تولّد أقساط تأمين على الحياة بقيمة 615 مليار دولار سنويا للصناعة. يقول الرئيس التنفيذي لشركة برودنشال مايك ويلز، "في كل منطقة جغرافية نتولى التوزيع من خلال شخص يقدم المشورة والسياق للمدخرات والحماية"، مضيفا أن "المنتجات ملائمة للمشورة. إذا كنت تنفق أقل الآن وتوفر أكثر، فهذا طموح، هناك مستوى من العاطفة والتقدير لا يوجد في أشكال التأمين الأخرى". تراهن الشركات الناشئة على أن كل ذلك سيتغير بمجرد أن يصل البالغون الشباب اليوم، الذين كبروا وهم يشترون كل شيء عبر الإنترنت، إلى عمر يبدأون فيه بالتفكير في التأمين على الحياة. هذا غالبا ما سيتزامن مع شراء عقار أو أن يرزقوا بأطفال. يقول يارون بن تسفي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة هافين لايف "لقد بدأنا التفكير في كيفية تقديم التأمين على الحياة لزبائن أصغر سنا. نحن نساعد على إثبات أنه بالنسبة إلى بعض الأشخاص والمنتجات، يمكنك جعل الأشخاص يفعلون ذلك أنفسهم". من دون وكيل ليشرح بالضبط ما ينطوي عليه التأمين على الحياة، اضطرت الشركات الناشئة إلى فعل الأشياء بطريقة مختلفة قليلا، من خلال التركيز على جعل منتجاتها بسيطة بقدر الإمكان. يقول هونج من شركة بلو، المدعومة من شركة أفيفا مع شركتي تنسنت وهيلهاوس كابيتال "صممنا ميزات تهم الزبون، وأزلنا ميزات ليست كذلك". ويستشهد ببرنامج تغطية الأمراض الخطيرة في الشركة، الذي يدفع إذا أصيب المشتري بمرض خطير، كمثال على ذلك. وفقا لهونج، هناك كثير من بوالص الأمراض الخطيرة التي تغطي مجموعة كاملة من الأمراض. تغطية شركة بلو تركز على ثلاثة أمراض أساسية فقط هي: الأزمات القلبية والسرطان والسكتات القلبية، وبالتالي فإن بيعها أكثر بساطة وسهولة. في تقرير هذا العام، نظرت مجموعة بوسطن الاستشارية وبنك مورجان ستانلي في كيفية تقسيم الأموال في صناعة التأمين على الحياة في ألمانيا. لقد توصلت إلى أن نفقات التوزيع تستهلك 38 في المائة من كل يورو يدفع كأقساط تأمين، وهو مبلغ أعلى من ذلك الذي يدفع للزبائن. إذا أزلنا ذلك النوع من النفقات، كما تقول الشركات الناشئة، يمكنها تقديم أسعار أفضل. يقول هونج "نحن لا نفرض عمولات ونعيد المدخرات إلى زبائننا، لذلك فإن أسعارنا تنافسية للغاية". تحظى الشركات الناشئة بالدعم من مصادر غير متوقعة. مارك واينبيرج، الذي حقق حياة مهنية في تأسيس شركات استشارات مالية مثل "ألايد دانبر" و"سانت جيمس بليس"، يقدم الآن المشورة لشركة يولايف الناشئة في بريطانيا، بشأن استراتيجيتها. يقول السير مارك، "في المستقبل، ستكون المبيعات مدفوعة أكثر بالتكنولوجيا بشكل أو بآخر. المشترون المحتملون أكثر راحة في اتخاذ القرارات ويشترون الأشياء عبر الإنترنت". توجد بعض الأدلة على أن الأشخاص يعتادون على اتخاذ القرارات الخاصة بهم بشأن التأمين على الحياة. وفقا لاتحاد شركات التأمين البريطانية، ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يشترون التأمين على الحياة من دون نصيحة رسمية من 20 في المائة في عام 2013 إلى 29 في المائة في عام 2016. يجادل البعض في الصناعة أن بيع التأمين على الحياة والمعاشات التقاعدية عبر الإنترنت، سيساعد على التخلص من بعض مشكلات الغش في البيع – من القروض العقارية المبنية على أسعار الفائدة في بريطانيا، إلى الرواتب السنوية في الولايات المتحدة – التي رزئت بها الصناعة في الماضي. بول شارما، وهو منظم مالي سابق في بريطانيا يعمل الآن في الشركة الاستشارية ألفارز يقول "ليس من الواضح تماما أن أساليب التفاعل الحالية تؤدي إلى نتائج مبيعات جيدة. ليس الأمر كما لو أننا حصلنا على المعيار الذهبي". ويضيف أن "إدخال الخوارزميات لمساعدة العملاء في العملية، يمكن أن يحسن تناسق وجودة المشورة في كثير من الحالات". غير أن الوكلاء لم ينتهوا بعد. على الرغم من زيادة الاستثمار في الشركات الناشئة التي تريد بيع التأمين على الحياة عبر الإنترنت، إلا أن كثيرين في الصناعة يقولون إنه سيبقى إلى حد كبير عملا وجها لوجه مع الزبائن في المستقبل المنظور. يقول تشارلز ماردون، الذي يدير شركة سوفرين ولث برايفت، وهي مجموعة من المستشارين القائمين في بريطانيا "معظم العملاء هم أشخاص لديهم احتياجات معقدة. غالبا ما لا يعرف الشخص فيهم من أين يبدأ. المستشار موجود لشرح تعقيدات المنتجات والخدمات، ولبناء خطة للأعوام الـ20 أو 30 المقبلة. هذه المنتجات ليست بسيطة". منح الزبائن تلك الطمأنينة يعد إحدى المزايا الكبرى التي يمتاز بها الوكلاء والمستشارون البشر على الخوارزميات. يقول ألف نويمان، عضو مجلس الإدارة في أعمال التأمين على الحياة في شركة أليانتز "الأمر كله يتعلق بالثقة وفهم ما هو موجود. يثق الأشخاص بحكم الأشخاص الآخرين، لأن كثيرا منهم يشعرون أنهم يفتقرون إلى الخبرة هم أنفسهم. هذه قرارات مهمة جدا لا يتخذها الشخص كثيرا، لذلك هو يريد أن يتحقق شخص ما أنك تتخذ القرار الصحيح". ويضيف نويمان أن "شركة أليانتز طورت منتجا لمدخرات الشيخوخة تم تصميمه ليباع عبر الإنترنت، لكنها اكتشفت أن تسعة من أصل عشرة زبائن كانوا يستخدمون وكيلا أو مستشارا في نهاية العملية عند اتخاذ القرار النهائي للشراء. "لا يزال الأشخاص يرغبون في وجود شخص ما يخبرهم أنهم يتخذون النهج الصحيح"، حسب قوله. كان لدى شركة سويس ري تجربة مماثلة. كانت هناك وحدة تابعة لها تساعد الشركات الأخرى على تطوير منتجات التأمين. ثيري ليجر، رئيس أعمال شركة لايف كابيتال التابعة لشركة سويس ري، يقول "إن بعض الشركات أنشأت مواقع إلكترونية وتطبيقات للشباب، لتجد أن الزبائن المحتملين ليست لديهم الثقة للشراء منها". يقول ليجر "هناك كثير من القلق والشك بشأن ما يرونه عبر الإنترنت". العمليات الأخرى عبر الإنترنت في القطاع المالي تعاني المتاعب. شركتان كبيرتان من شركات إدارة الثروات، هما يو بي إس وإنفستيك، أغلقتا أعمال الاستشارات المالية الرقمية خلال العام الماضي. تقول شركة إنفستيك "إن الطلب على الخدمة كان منخفضا جدا". هناك عقبة أخرى يجب أن تعالجها الشركات الناشئة، هي أن صناعة التأمين بحاجة إلى أشخاص يخرجون ويقنعون الزبائن أنهم بحاجة إلى تغطية تأمينية. يقول واي كي، الشريك في الشركة الاستشارية القائمة في ألمانيا، سيمون-كوشر، "على المستشارين البحث من أجل التعاقد مع عملاء جدد. خوارزميات الكمبيوتر تنتظر مجيء الأشخاص إليها، لكن التأمين على الحياة ليس شيئا يبحث عنه الأشخاص في العادة". هناك أسباب سلوكية قد تجعل الأشخاص لا يتدفقون إلى المواقع الإلكترونية والتطبيقات الخاصة بالتأمين على الحياة. إليزابيث كوستا، المديرة في شركة بيهيفيرال إنسايتز، وهي شركة استشارية مملوكة جزئيا للحكومة البريطانية تقول "يفضل الأشخاص المكافآت الآن مقابل تلك التي في المستقبل.. ليس من الواقعي الاعتقاد أن الأشخاص سيقضون وقتا طويلا في المشاركة في المعاشات التقاعدية، إذا لم تكن هناك دعوة واضحة لاتخاذ إجراء". الوكلاء مهمون بشكل خاص في آسيا، حيث صناعة التأمين على الحياة جديدة نسبيا في بعض البلدان، لكنها تنمو بسرعة بسبب توسع الطبقة المتوسطة. أموال سيليكون فالي تغذي الارتفاع الشركات التي تعد بإحداث تغييرات واسعة فيما تعده صناعة تأمين على الحياة، رجعية موجودة منذ قرون، إلا أنها تجتذب الآن تمويلا بمليارات الدولارات من سيليكون فالي وأماكن أخرى، في ظاهرة أطلق عليها اسم “تكنولوجيا التأمين”. حتى الآن، معظم النشاط كان في التأمين على الممتلكات والإصابات، تغطية للمباني والسيارات والأعمال. التأمين على الحياة هو قريب ضعيف لتلك النشاطات، حيث فشل في توليد كثير من الحماس من مستثمري رأس المال المغامر. وفقا لبيانات من شركتي ويليس وسي بي إنسايتز، بين عام 2012 والربع الأول من عام 2019، كان هناك 627 صفقة تتضمن الاستثمار في شركات تكنولوجيا التأمين على الممتلكات والإصابات. خلال الفترة نفسها، كان هناك 432 صفقة تتضمن تكنولوجيا التأمين على الحياة والصحة، معظمها في الفئة الأخيرة. يقول تيم كالفيرت، الذي يدير أعمال التأمين على الحياة في مجموعة بوسطن الاستشارية “الحاضنات في سيليكون فالي تعقد مناسبات لتقديم عروضها، لكن مقابل كل عشرة إلى 15 عرضا للتأمين على الممتلكات والإصابات، لا نرى سوى عرض واحد يتعلق بالتأمين على الحياة”. النطاق الزمني في التأمين على الحياة لا يتناسب بالضرورة مع مستثمري رأس المال المغامر، كما يقول كريس هيس، الشريك في الشركة الاستشارية أوكس باو القائمة في بريطانيا “إنها عملية شراء معقدة ومنتج معقد. صناعة التأمين على الحياة لديها أفق ابتكار مختلف. هذه منتجات موجودة على مدى 30 عاما”. تغطية الممتلكات والإصابات تعد بمنزلة موطن طبيعي أكثر بكثير. يقول يارون بين تسفي، مؤسس شركة هافين لايف الناشئة للتأمين على الحياة “صناعة التأمين على الممتلكات والإصابات عادة ما تتمتع بنقاط اتصال مع الزبائن بسبب تجديد البوالص كل عام”. هناك مزيد من البيانات المتاحة ومزيد من الفرص لتغيير العلاقة بالزبون، لذلك فهي موطن أكثر طبيعية بالنسبة إلى أموال رأس المال المغامر”. «بينج آن» الصينية .. الأكبر ضمن الصناعة أكبر شركة تأمين في العالم من حيث الرسملة السوقية، هي شركة بينج آن الصينية، التي استثمرت بكثرة في التكنولوجيا، ولديها بعض من أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تطورا في الصناعة. على أنها لا تزال توظف 1.4 مليون وكيل – عدد تقلص قليلا – لبيع منتجاتها. تجادل مجموعة بوسطن الاستشارية ومورجان ستانلي بأن شركات التأمين تستطيع تحسين الأرباح حتى إن التزمت بالوسطاء. وتقدر أن إحداث تغييرات واسعة في التوزيع وتبسيط المنتجات، يمكن أن يعزز هوامش الأرباح لشركات التأمين على الحياة من 6.5 في المائة إلى أكثر من 11 في المائة. كما تجرب شركات التأمين الأنظمة الهجينة. شركة إنجيزيج الناشئة التي يديرها فيناي جايارام المصرفي السابق في بنك مورجان ستانلي، تقدم المشورة لشركات منها أكسا، حول كيف يمكن أن تقدم للزبائن الخيار بينما تحصل على مزيد من مستشاريها. ويقول جايارام “إن مفتاح ذلك هو تغيير التأمين على الحياة من “بيع الخوف” إلى تأمين يناسب حياة الزبائن بشكل أكثر راحة”. “لن تولد اهتماما عفويا في منتج رائع للتأمين على الحياة أو المعاشات التقاعدية. عليك أن ترى إذا ما كان الأطفال يرتادون مدارس خاصة، أو يرغبون في شراء منزل أو يقدمون الأموال إلى الجمعيات الخيرية. عليك أن تكتشف ما يناسبهم”. في الوقت الحالي، هذا النوع من التفاصيل يتجاوز الشركات الناشئة التي تعمل عبر الإنترنت فقط. تبدأ معظمها بمنتجات واضحة نسبيا، لأشخاص قد يعرفون في الأصل ما يريدونه. التحدي، كما يقول أشخاص في صناعة التأمين، سيكون التقدم من تلك الأشكال البسيطة من التأمين على الحياة، إلى مقترحات أكثر تعقيدا ليس من السهل شرحها من خلال مقطع فيديو بسيط وبضع نقرات. يقول شارما، “حياة الإنسان معقدة ومستقبله معقد وغير مؤكد. بعض الأشياء التي نسميها تعقيدات تعد ضرورية لأن احتياجات الزبون معقدة في الأصل. كلما زاد تعقيد المنتج، قل احتمال بيعه عبر الإنترنت”.

مشاركة :