أكّد ثلاثة قادة في قوى الحرية والتغيير التي تمثل الحراك الشعبي في السودان تأجيل جولة المفاوضات التي كان من المقرر إجراؤها الجمعة مع المجلس العسكري الحاكم لإجراء “مشاورات داخلية” من أجل التوصل إلى رؤية موحدة بخصوص الاتفاق، دون أنّ يحددوا موعدا جديدا لإجرائها. وهناك خلافات في صفوف قوى الحرية والتغيير التي تضم أحزابا سياسية ونقابات وحركات مسلحة، حول بعض البنود في الإعلان الدستوري. ووقع قادة الجيش وقوى الحرية والتغيير صباح الأربعاء بالأحرف الأولى اتفاقا لتشكيل مجلس عسكري مدني مشترك يؤسس لإدارة انتقالية تدير البلاد لمرحلة تستمر 39 شهرا، ما يمثل أحد المطالب الرئيسية للمحتجين. وكان من المقرر عقد جلسة مفاوضات الجمعة لمناقشة “الإعلان الدستوري” المكمل للاتفاق والذي يحتوي مسائل حاسمة وخلافية بين الطرفين ومن بينها منح حصانة مطلقة للجنرالات وتشكيل البرلمان ووضع القوات شبه العسكرية. لكنّ القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير عمر الدقير أكّد صباح الجمعة أنّه “تم تأجيل المفاوضات”، مشيرا إلى أنّ التحالف “بحاجة إلى مشاورات داخلية للتوافق على رؤية موحدة” بشأن الاتفاق. وتابع “أنا متوجه إلى المطار للذهاب إلى أديس أبابا لمقابلة ممثلي الجبهة الثورية السودانية” التي تضم ثلاث مجموعات متمردة مسلحة في ولايات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وهو ما أكّده صديق يوسف القيادي بالتحالف أيضا. وقال إنّ “المجموعات المسلحة أبدت تحفظاتها حول الإعلان السياسي لذا سيسافر الدقير إلى أديس أبابا”. وتابع أنّ “هذه المجموعات غير راضية عن الاتفاق السياسي”. وأوضح يوسف أنه “لم يُحدَّد موعد جديد” للمفاوضات. أما القيادي في حركة الاحتجاج طه عثمان فأكّد أنّ تحالف قوى الحرية والتغيير بحاجة إلى “مشاورات داخلية” قبل الجلوس مجددا مع قادة المجلس العسكري للتفاوض بشأن “الإعلان الدستوري”. وأعربت المجموعات المتمردة الثلاث عن قلقها الأربعاء فور التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق. وأكّدت أنّ اتفاق الأربعاء “غير مقبول” بالنسبة لها، مشيرة إلى أن بعض القضايا الرئيسية مثل إحلال السلام في مناطق النزاع وتلبية احتياجات “الأشخاص الضعفاء” لم يتم تناولها. وقال زعيم الجبهة الثورية السودانية جبريل إبراهيم في مؤتمر صحافي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا “للأسف بعض الأطراف اختارت ألا تعير أي اهتمام لهذه المسائل ومضت قدما دون التشاور مع زملائها”. وأفادت مصادر مطلعة على المفاوضات أنّ المجموعات المتمردة تريد أن ينص الإعلان الدستوري بوضوح على أنّ مباحثات السلام في هذه الولايات ستطرح كأولوية قصوى فور تشكيل الحكومة الانتقالية.وتريد هذه المجموعات التي خاضت صراعا مريرا مع نظام الرئيس المعزول عمر حسن البشير أن يتم إشراكها في الحكومة الانتقالية بعد توقيع اتفاقيات السلام في هذه الولايات. وهي تطالب أيضا بتسليم المتهمين -بينهم البشير- بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في السودان للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وتحارب هذه المجموعات القوات الحكومية منذ سنين طويلة في ولايات دارفور (غرب) والنيل الأزرق (جنوب شرق) وجنوب كردفان (جنوب). واعتبر محللون أن مباحثات الجمعة حاسمة خصوصا أنّ الطرفين كانا سيتفاوضان بشأن “الإعلان الدستوري” الذي يحتوى على بعض المسائل الخلافية المعقدة. وتشكّل “الحصانة المطلقة” التي يطلبها المجلس العسكري إحدى أكبر المسائل الخلافية في المفاوضات المقبلة. ومنذ اندلاع الاحتجاجات في 19 ديسمبر الفائت، قتل أكثر من 246 متظاهرا في مختلف أرجاء البلاد، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية، بينهم 127 شخصا في 3 يونيو خلال عملية دامية لفض اعتصام أمام مقر قيادة القوات المسلحة في الخرطوم. وقالت اللجنة إن 1353 شخصا أصيبوا بجروح منذ اندلاع التظاهرات، التي بدأت ضد الرئيس المعزول عمر البشير ثم تحولت إلى احتجاجات ضد المجلس العسكري الذي تولى الحكم بعد رحيله. وكانت السلطات أعلنت عن حصيلة أقل. وحول موقف التحالف من مسألة الحصانة، أكّد الدقير أنّ “الحصانة بالشكل المطروح غير مقبولة بالنسبة لنا”. وأضاف “لن نتنازل ولن نتراجع” عن موقفنا برفض الحصانة المطلقة. من جهته قال القيادي عثمان “الموضوع غير مرتبط بأن يوافق الجيش أو يرفض. نحن نريد دولة قانون لا يوجد فيها أحد فوق القانون”. لكنّ الفريق أول شمس الدين كباشي قال لفرانس برس الأربعاء إنّ “الحصانة ليست موضوع خلاف” بين الطرفين. كما كان الطرفان سيناقشان ملف قوات الدعم السريع وهي قوات شبه عسكرية واسعة الانتشار والنفوذ ويخشاها الناس على نطاق واسع. ويتهم المحتجون ومنظمات حقوقية قوات الدعم السريع، التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، بالهجوم على المعتصمين. لكن الجيش ينفي أن يكون أمر بفض الاعتصام. ويعتبر حميدتي هذه الاتهامات محاولة لتشويه صورة قواته. ويشكل تشكيل البرلمان المقبل نقطة خلافية أيضا بين الطرفين. واتفق المجلس العسكري وقادة الاحتجاج خلال جلسات المفاوضات الأولى في مايو على تشكيل برلمان يتألف من 300 مقعد، 67 بالمئة منها لقوى الحرية والتغيير، المنظم الرئيسي للاحتجاجات. وتراجع المجلس العسكري عن ذلك ويطالب الآن بمراجعة منح قوى الحرية والتغيير نسبة 67 بالمئة من مقاعد البرلمان خشية أن يسيطر تماما على اتخاذ القرار في البرلمان، في ظل غياب منسوب الثقة بين الطرفين. وندّد متظاهرون الخميس بموقف قادة الاحتجاج معتبرين أنهم قدموا تنازلات كبيرة للمجلس العسكري في المفاوضات التي أسفرت عن توقيع “الإعلان السياسي” الأربعاء. وتجمع آلاف المتظاهرين الخميس في الساحة الخضراء -وهي ميدان رئيسي في الخرطوم- للضغط على جنرالات الجيش قبل المباحثات التي كانت مقررة الجمعة. وأوضح المحلل البارز فيصل محمد صالح أنّ أعضاء “الحرية والتغيير لا يمكنهم تقديم مزيد من التنازلات، وإذا مضوا في طريق التنازلات سيفقدون الدعم الجماهيري”، في المقابل “إذا تمسك كل طرف بموقفه أعتقد أنّ المفاوضات ستنهار”. ولعب المجلس العسكري دورا حاسم في الإطاحة بالنظام السابق حينما قرر الانحياز إلى صفوف المنتفضين وعزل الرئيس عمر حسن البشير القابض على مفاصل السلطة لمدة 30 عاما واجه خلالها السودانيون أوقاتا مريرة سواء في علاقة بتفجر العنف في عدة مناطق لعوامل عرقية، أو بتردي الأوضاع الاقتصادية. وهناك تخوف لدى السودانيين من انهيار الإنجازات التي تحققت حتى اليوم وعودة البلاد التي تواجه أزمة اقتصادية حادة، إلى المربع الأول، بيد أن محللين يستبعدون مثل هذا السيناريو في ظل إدراك التحالف المدني والمجلس العسكري الانتقالي خطورة الموقف، فضلا عن وجود إجماع دولي وإقليمي على ضرورة التصدي لأي انحراف قد يفضي إلى تعميق الأزمة.
مشاركة :