قديماً كان احتلال الدول واستعمارها من أجل الاستيلاء على مواردها وتحويلها من أجل رفاهية شعوب الدول التي استعمرت واحتلت، أي أن الهدف الأساسي هو رفاهية وازدهار التجارة وإضافة موارد جديدة تُصرف على تحسين مستوى معيشة الشعوب المستعمِرة (بكسر الميم).فكانت الشعوب في تلك الدول تدافع عن خيار دولتها في التمدد والاستعمار، لأنها هي المستفيدة الأساسية، فالشعب البريطاني تمتع بخيرات الدول التي استعمرتها بريطانيا، من الهند شرقاً إلى أميركا الشمالية، وإلى جنوب الكرة الأرضية؛ نيوزيلندا وأستراليا، وانعكست زيادة تلك الموارد على الشعب البريطاني، وكذلك كان حال الشعبين الهولندي والفرنسي اللذين تمددا في القارة الأفريقية وساحل البحر الأبيض المتوسط، وصولاً إلى شرق آسيا.إنما المفارقة والمضحك حقاً هو أن عكس ذلك يحدث تماماً في حالة إيران التوسعية الاستعمارية، فالشعب الإيراني يزداد فقراً كلما توسَّع نظامه وتمدد نفوذه خارج حدوده السيادية، فالنظام الإيراني يتبجَّح بوصوله للبحريْن الأبيض والأحمر، ومد نفوذه بالسلاح على أربع دول عربية. يُفترض إذن أن تنعكس تلك السياسة على رفاهية الإيرانيين.فما نتائج مغامرات «النظام» التي وصلت إلى البحر المتوسط والبحر الأحمر؟ ما النتيجة التي انعكست على الإيرانيين بسبب الصرف الذي صرفه النظام الإيراني على «حزب الله» اللبناني مثلاً؟ أو نتيجة صرفه على الحوثيين في اليمن؟ أو على مساندة نظام بشار الأسد في سوريا؟ أو على ميليشيات «سرايا الأشتر» في البحرين؟ أو على مجموعات القطيف الإرهابية؟ بل ما نتيجة حتى ما استنزفته إيران من خيرات العراق وموارده؟تُنشر تقارير حول الوضع المعيشي للمواطنين في إيران تؤكد أن نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، وآخِر مَن تحدث بهذا الخصوص هو النائب رسول خضري عضو اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني، في يناير (كانون الثاني) من هذا العام، حين جرت مناقشة الموازنة، مذكراً بأن نحو 40 مليون شخص في البلاد دون خط الفقر، حسب ما نقلته وكالة أنباء «مهر» شبه الرسمية الإيرانية عن النائب.وكان خضري يعلّق على تقليص حصة قطاع الصحة والعلاج في الميزانية الجديدة لحكومة حسن روحاني، مشيراً إلى نسبة خط الفقر في بلاده، قائلاً إن «ميزانية وزارة الصحة والعلاج يجب أن تكون متلائمة مع توقعات المرضى والعلاج في البلاد، لذلك ليس من المعقول خفض حصة وزارة الصحة في الميزانية».وأردف يقول: «إذا كانت الحكومة تتلكأ في تخصيص الميزانية لقطاع الصحة العامة، فمن المحتمل أن تعود الرشى من تحت الطاولات في مجال الصحة والعلاج» («العربية»، يناير 2019). المحصلة النهائية من سياسة النظام الإيراني أنها لا تعمل لصالح الشعب الإيراني، بل لمصلحة رجال النظام و«حرسه» ومؤسساته فقط، فمن يحكم إيران لديه «مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني»، وليس لديه مجمع تشخيص مصلحة الشعب الإيراني، ونص على ذلك دستوريّاً!! «مجمع تشخيص مصلحة النظام»، أو «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، أحد أجهزة الحكم في إيران، وهو الهيئة الاستشارية العليا له، حيث تنص المادة 112 من الدستور الإيراني على أن «تشكيل (مجمع تشخيص مصلحة النظام) يتم بأمر من القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية لتشخيص المصلحة في الحالات التي يرى مجلس صيانة الدستور الإيراني أن قرار مجلس الشورى الإسلامي يخالف موازين الشريعة والدستور، في حين لا يوافق مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، آخذاً بنظر الاعتبار مصلحة النظام».ولك أن تتخيل مقدار العنجهية لدى هذا النظام؛ فما تريده دول الخليج العربي من النظام الإيراني يتفق تماماً مع رغبات الإيرانيين، ومع ذلك، فالنظام الإيراني يصرّ على تشخيص مصلحته بعيداً عن مصلحة شعبه.إن دول الخليج تطالب النظام الإيراني بأن يوجّه موارد إيران كلها لخدمة الإيرانيين فقط، وأن ينشغل برفاهية الشعب الإيراني وتحسين أحواله المعيشية، وأن يحوِّل كل ما صرفه على العرب الموالين له للإيرانيين بدلاً منهم، فهل يختلف إيراني مع أي من تلك المطالب؟فأي استعمار هذا الذي أدى إلى إفقار الشعب المستعمر وأغنى فقط رجال الدولة المستعمرة؟ حيث تجاوزت المحفظة المالية التي يملكها خامنئي 200 مليار دولار... وأين هي مصلحة الشعب الإيراني من عناد النظام وإصراره على التمسك بمشروعه التوسعي؟
مشاركة :