توقع عدد من المراقبين والمحللين السياسيين أن يزداد الحراك الشعبي في الجزائر تصعيداً، بعد فوز منتخب البلاد بكأس أفريقيا للأمم لكرة القدم، وقد جاء ذلك بعد أن لاحظ جل المتتبعين وجود الملحق العسكري لسفارة الجزائر في مصر على أرضية ملعب القاهرة وهو يهنئ اللاعبين بفوزهم، واعتبروا ذلك «رسالة سياسية من السلطة الفعلية» في الجزائر، والتي أضحت تسيطر على كل الهيئات والمؤسسات في البلاد، منذ أن أجبرت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على التنحي في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي. ويعد وجود الضابط العسكري (يحمل رتبة عقيد) في الملعب لحظات قبل تسلم قائد الفريق رياض محرز الكأس القاري، «تجاوزاً» بحق رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، الذي كان موجوداً هو الآخر بمنصة التتويج مع رئيسي الاتحادين الدولي والأفريقي لكرة القدم، جياني إنفانتينو وأحمد أحمد. والمثير في الأمر أن السفارة الجزائرية في مصر كانت ممثلة في «جناحها العسكري»، بينما «جناحها الدبلوماسي»، السفير نذير العرباوي، بقي في المدرجات، ولم يتوجه إلى اللاعبين داخل الملعب. وهذا «التجاوز»، عكس بحسب من شدهم المشهد، «سيطرة العسكر على الحكم المدني». وهو أمر يجري تداوله في البلاد منذ خمسة أشهر، ولذلك لم يستغربه غالبية الجزائريين، لأنه يترجم كل يوم جمعة في شعار «نريد دولة مدنية وليست عسكرية». وكان قائد الجيش الجنرال قايد صالح قد هاجم بشدة مرددي هذا الشعار في العاشر من الشهر الجاري، وأبدى استياءه من «رفع شعارات كاذبة ومفضوحة الأهداف والنوايا، مثل المطالبة بالدولة المدنية وليست الدولة العسكرية». كما تحدث عن «أفكار مسمومة أملتها عليهم (المتظاهرون) دوائر معادية للجزائر، ولمؤسساتها الدستورية... دوائر تكن حقداً دفيناً للجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، ولقيادته الوطنية التي أثبتت بالقول والعمل أنها في خدمة الخط الوطني المبدئي للشعب الجزائري، وأنها ثابتة الوفاء على العهد، الذي قطعته أمام الله والشعب والتاريخ». وخصصت السلطات أمس حفلاً كبيراً لاستقبال اللاعبين وطاقم «الخضر»، لدى عودتهم من القاهرة، وكان في انتظارهم بالمطار رئيس الوزراء نور الدين بدوي، ووزير الخارجية صبري بوقادوم، ووزير الشباب والرياضة رؤوف برناوي. وخرج الوفد الرياضي من المطار تحت هتافات المشجعين، الذين كانوا بأعداد كبيرة. وتنقل اللاعبون بواسطة باص إلى «قصر الشعب» (منشأة رئاسية) بالعاصمة، حيث كان الرئيس الانتقالي بن صالح في استقبالهم لتهنئتهم بـ«الإنجاز التاريخي»، بحسب ما أجمعت عليه وسائل الإعلام. علماً بأن بن صالح يتعرض لانتقاد شديد من طرف المتظاهرين لأنهم يعتبرونه «من بقايا النظام القديم»، ولذلك يطالبونه بالاستقالة في كل مظاهرة. ومر الموكب بـ«ساحة أول مايو»، التي غصت بالمشجعين، وهم في غالبيتهم من نشطاء الحراك، الذين يتجمعون بأعداد كبيرة كل جمعة للمطالبة بتغيير النظام. وفي هذا السياق تشير توقعات مراقبين بأن «حراك الجمعة الـ23» سيكون ضخماً، قياساً بنشوة الانتصار الكروي، الذي يربطه المتظاهرون بـ«بركة الحراك الثائر». واللافت أن الإنجاز الرياضي الكبير كان فرصة للحكومة لفك «العزلة»، التي فرضها عليها الحراك. فقد شارك بدوي في نشاط عام لأول مرة منذ تعيينه في المنصب نهاية مارس (آذار) الماضي من طرف الرئيس السابق بوتفليقة، خلفاً لأحمد أويحي الموجود بالسجن. أما الوزراء الذين تنقلوا إلى المطار فكانوا مطاردين من طرف شباب الحراك في كل مكان حلوا به. وقد غادر بن صالح مكتبه لأول مرة، بمناسبة حضوره المباراة بالقاهرة. وبخلاف ما كان متوقعاً، لم يرفع المشجعون الجزائريون في الملعب، والذين كانوا بالآلاف، شعارات معادية له. وأعلن الدفاع المدني عن وفاة شخصين، وجرح آخرين ليل الجمعة في حوادث سير، أثناء الاحتفال بالتتويج بالبطولة الأفريقية. وتوفي عشريني بوهران (غرب) خلال اصطدام دراجته النارية بسيارة، وآخر بنفس الولاية عندما سقط من الطابق السادس لعمارة.
مشاركة :