مع خمس نساء قادمات من بلدان عربية مختلفة، تتوزع على بلاد الشام، الخليج، المغرب، وأفريقيا، ومجموعة كبيرة من الكومبارس، وعلى خشبة افتراضية غنية بالتفاصيل، تقدم الكاتبة العُمانية آمنة الربيع سالمين نصّها المسرحيّ الجديد «يوم الزينة»، لترسم من خلاله ملامح من البيئة والحياة الاجتماعية في بلدها، ولإلقاء أضواء على ما جرى في البلدان التي تنتمي إليها الشخصيات منذ أربع سنوات، في ظل الثورات والتحولات التي عصفت بمنطقتنا العربية، كما تضيء على تحولات الحياة الاجتماعية العُمانية نفسها. منذ البداية تمسك الكاتبة بخيوط لعبتها المسرحية الصعبة والمتشابكة، فالنص الصادر مؤخراً في دار الانتشار العربي- بيروت والجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، تبدو خيوطه الأساسية شديدة التداخل والتعقيد، حتى أن «اللعبة» فيه لا تتكشّف إلا مع اللوحة الثامنة والأخيرة، رغم أن اللوحات السبع الأولى تقدم شبكة العلاقات والأرضية التي تنهض عليها فكرة العمل، الفكرة القائمة على تقديم مسألتين محوريتين مرتبطتين معاً، مسألة الهجرة للعمل وخصوصاً إلى دول الخليج، وهموم المرأة ومعاناتها في هذا الإطار نفسه. في الفضاء الدرامي، كما تقول الكاتبة «الزمان والمكان مفتوحان على البارحة واللحظة الجارحة»، ومع ذلك فما يدور على الخشبة مفتوح على الماضي وذكرياته، كما على الراهن وحوادثه، إضافة إلى رؤية مستقبلية لما ينبغي أن تكون عليه أحوال النساء الأربع في مواجهة العالم وصاحبة العمل. فنحن هنا أمام زمرّدة العمانية صاحبة مجموعة من الصالونات، في مواجهتها العاملات، يارا اللبنانية خبيرة ماكياج، نرجس التونسية متخصصة في الاكسسوار وتنظيف البشرة، هداية السودانية مصففة شعر ونقش حنة، وزبيدة اليمنية تصميم ملابس، إضافة إلى فرقة نسائية شعبية، وبنات بين 9- 10 سنوات. تمزج الكاتبة في معالجتها لموضوعها بين ما هو واقعي وما هو فانتازي، في أداء يبدو على قدر من الكوميديا الهزلية السوداء التي تعيشها العاملات، كوميديا تصل حدود التهريج حيناً، والتراجيكوميديا في معظم الأحيان، خصوصاً حين تعرض كلّ منهما «حكايتها»، وما جاء بها إلى هذا المكان، وذلك كله في تناغم مع الأداء والحوارات التعبيرية والرمزية، عبر استخدام الموروث والصور والتركيبات الفنية المقترحة للخشبة بديكوراتها وتكوينات الكتل البشرية عليها، وباللهجة المحلية لكل شخصية. فكرة المسرحية تقوم على ما أحدثته الأصباغ والألوان والثياب التي ترتديها المرأة، يوم الاحتفال بمناسبة الزواج في محافظة ظفار (في جنوب عُمان)، من تغيّرات على هذا المجتمع وعاداته وتقاليده، وحتّى على العلاقات بين مكوّناته، حيث أن الكم الهائل من المساحيق وأدوات الزينة التي تضعها المرأة الظفارية على وجهها، كل هذا يحوّلها من كائن طبيعي إلى كائن آخر، تختلف وجهات النظر في مدى جماله وجاذبيته. نساء الصالونات الأربع، وعبر حوارات مباشرة، أو من خلال مونولوغات داخلية، يقمن باستعادة تفاصيل من حيواتهن، وأشد اللحظات حميمية في رحلتهن للوصول إلى هنا، ومن خلال لغة كاشفة، كما من خلال لغة الجسد التي تقترحها الكاتبة بقدر من الجرأة، جرأة تتمثل في الغوص في الأحوال النفسية لهؤلاء النسوة، والحالة الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة التي دفعت بهنّ إلى مهن تضعهن وسط معاناة قاسية من جهة، لكنها تمنحهن فرصة الكشف عن إشكاليات المجتمع من خلال الزبونات اللاتي يتعاملن معهنّ. ترسم الكاتبة آمنة الربيع فضاءها المسرحيّ، متّكئة على ثقافة وخبرة في الكتابة والبحث ضمن شؤون العمل المسرحي، حتى أنها تُسلم للمخرج معظم خيوط العمل وتطبيقاته على الخشبة، ولا تترك له سوى القليل مما يمكن أن يضيفه، سواء على مستوى رسم حدود الخشبة وتقطيع المساحات فيها، أو على صعيد المؤثرات الضوئية والصوتية المرافقة للنص/ العرض. وهي إلى ذلك تستخدم صوراً من الغناء والرقص والحركة. في الخاتمة، ننتهي بصراع بين النساء الأربع من جهة، وزمرّدة صاحبة الصالونات، حين تلجأ العاملات إلى إضراب (ثورة) للمطالبة بمزيد من الحقوق، وتستخدم زمردة الحيلة والخديعة، قبل أن تلجأ إلى القوة والبوليس لإخماد الثورة والقضاء بالسجن على النساء المتمردات، لكن هؤلاء يغلقن الأبواب، فلا يستطيع البوليس الوصول إليهن، وينتهي النص بأصوات الرعد والمطر، فيما البوليس يحاول كسر الباب الذي تختبئ خلفه العاملات. هذه هي الخطوط العريضة لهذا النص التراجيكوميدي، تقدم فيه آمنة الربيع رؤيتها لهموم النساء وهواجسهنّ العميقة. أسئلة كثيرة تثيرها الحوارات المفتوحة على الحياة، حياة كل من النساء الخمس، وأسرارهن، فتكشف حجم الكارثة الإنسانية، وعمق الغربة والاغتراب في عالمنا المتحوّل من البساطة إلى التعقيدات. نص حافل باللهجات وما تحمله من موروث، وحافل بالغرائبية والهلوسات والجنون، ينتظر مخرجاً برؤية مفتوحة على هذه المعطيات كلها، ليقدم عرضاً يرتقي إلى هذه العوالم الغريبة والحميمية في آن.
مشاركة :