الصورة التي انتشرت أخيراً على نطاق واسع، ونشرتها صحيفة «الحياة» في أحد أعدادها، لغرابتها، ويظهر فيها هنود وهم يتسلقون حائط مدرسة لمساعدة أبنائهم على الغش في الامتحانات، تتسق تماماً مع مضمون البرنامج التلفزيوني الكندي «حقائق حول الغش» الذي تناول هذه الظاهرة العالمية من منظور واسع لم ينحصر في الكشف عن الأساليب العجيبة التي يستخدمها الطلاب في الغش بل توسع إلى ربطها بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية وطبيعة العصر الذي نعيش فيه. انطلق البرنامج من حقائق وأرقام تشير إلى حجم انتشار هذه الظاهرة، ففي كندا وحدها جرب أكثر من 50 في المئة من طلاب جامعاتها الغش في الامتحانات وقرابة 75 في المئة من طلاب ثانوياتها أقروا في مقابلات صحافية نشرت على صفحات الانترنت بأنهم غشوا في امتحانات نيل شهادة الدولة، بدافع الحصول على معدلات عالية تؤهلهم لدخول الجامعات والحصول على شهادات أكاديمية تفتح لهم طريق المستقبل. وليتأكد من الأرقام والإحصائيات ينزل فريق عمل البرنامج إلى شوارع العاصمة الكندية ويسأل عشوائياً عدداً من العابرين حول ما إذا كانوا قد غشوا مرة واحدة في حياتهم الدراسية. واللافت أن أجوبة الغالبية جاءت بالإيجاب وبما يؤكد صحة الأرقام، الأمر الذي دفع البرنامج التلفزيوني للسفر إلى الولايات المتحدة لمقابلة الأستاذ في جامعة روتجيرز دون مكيب، كونه يعد دراسة أكاديمية حول الموضوع. ولم يستغرب روتجيرز أجوبة الناس، إذ قال: «ربينا جيلاً من الصعب عليه تمييز الصح من الخطأ لدرجة أنك لو نصحت أحداً منه بتجنب الغش، فسينفر منك ويشعر بالاستغراب من كلامك وإذا قلت له: حسناً جرب أن تغش، فسيستغرب، أيضاً، ويشعر بالإهانة». يراجع «حقائق عن الغش» أشهر الفضائح في هذا المجال فيتوقف عند فضيحة الصين عام 2010 حين اكتشفت أجهزة الشرطة عصابة منظمة مختصة بإنتاج أجهزة الكترونية دقيقة تباع للطلاب من أجل تسهيل عملية الغش، وفي العام ذاته سُربت في فرنسا أسئلة امتحانات الدولة عبر شبكة الانترنت. وبعد عام واحد توصلت وزارة التربية البريطانية إلى وجود مجموعة أساتذة تنظم دورات خاصة يعطون من خلالها للمشتركين فيها معلومات حول طرق تحسين أجوبة الطلاب في الامتحانات مقابل حصولهم على مبالغ كبيرة. مراجعة تحمل في طياتها أسئلة آنية حول أسباب إقدام الطلاب على الغش؟ وللتوصل إلى أجوبة شافية راح البرنامج الكندي يوسع من مساحته، فسأل اختصاصيين تربويين وعلماء اجتماع وتوصل إلى نتيجة مفادها، أن الدافع الاقتصادي هو الأقوى، فكل واحد يريد الحصول على شهادة عالية يضمن بها وضعاً مريحاً لنفسه بما ينسجم مع طبيعة المجتمع المادي، وبدلاً من المواظبة وسهر الليالي يجد كثر من الطلاب في الغش طريقاً سهلاً ومريحاً يحقق النتيجة ذاتها. كما أن غياب النموذج الإيجابي في المجتمع يشجع على هذا السلوك، فنشرات الأخبار تقدم عشرات الأمثلة السلبية يومياً من غش الرياضيين والسياسيين وأصحاب البنوك وغيرهم من نخبة المجتمع، فلا يجد وقتها الطالب حرجاً في ممارسة نوع «بسيط» من الغش. وعلى المستوى النفسي يتعرض الطلاب لضغوط قوية من أهاليهم للحصول على درجات عالية في امتحاناتهم، فيلجأون إلى الغش للتخلص منه... إلى جانب تشجيع بعض أولياء الأمور أبناءهم على الغش بدافع الحب والحرص على مستقبلهم. ولهذا جاءت أجوبة واحد من الممتهنين عمليات الغش الجامعي ويدعى صومائيل أشيغوف، عبر تفرغه لكتابة دراسات وبحوث للطلاب مقابل مبالغ مادية تصل إلى أكثر من خمسة آلاف دولار للبحث الواحد، لتفسر بعض تفاصيل المشهد: «لا أشعر بالأسى على الطلاب الأغنياء والغشاشين بل على المثابرين الذين يتساوون مع آخرين بأموالهم ويحققون ما يحققونه هم بعرق جبينهم وأكثر ما يزعجني أن يتساوى في النهاية الكسالى والأذكياء». صومائيل الذي تاب عن ممارسة الغش يحيل الأمر إلى طبيعة التدريس في البلاد وهي نقطة كانت مثار تجاذب في البرنامج، فالنظام الدراسي في كندا وبقية العالم، تقرر فيه نتائج الامتحانات مستقبل الطالب لا مقدار كسبه للمعارف. وهنا يلتقي البرنامج مع عائلات تجمع بمبادرات خاصة منها بين الناحيتين: المعرفة المكتسبة من الطبيعة وبــــين المناهج الدراسية وبعضها يدعو إلى فتح باب الحصول على المعلومات أمام الطلاب أثناء امتحاناتهم، كأن يتصل الطالب بصديق ما أو يستعين بالانترنت. فالمهم بالنسبة إليها هو فهم الطالب للمادة وليـــس الحصول على درجة عالية فيها. قلة من الناس ومن الأكاديميين التقليديين مع هذا التوجه ولهذا ستستمر الامتحانات على المنوال ذاته وسيستمر الغش فيها وسيدخل الربح طرفاً في معادلتها بخاصة بعد تأسيس شركات مختصة بإنتاج أجهزة مراقبة الصفوف والطلاب الممتحنين. وفي المقابل تنشط العصابات في ابتكار أجهزة الكترونية بغاية الدقة والصغر لأغراض الغش لا لخدمة العلم!
مشاركة :