ماذا جرى ليلة 23 يوليو 1952؟: الكواليس على لسان «عبدالناصر»

  • 7/23/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

«في ليلة 23 يوليو، لو كُنا نحسب العملية بالورقة والقلم، كُنا لقينا إن النجاح نسبته ضعيفة، ولكن كل واحد من اللى اشتركوا في الثورة كان بيقول (لابُد أنّ نضحي لنثبت أن الجيل اللى عاش قبل 1952 قام وقاتل حتى استُشهد)، الظباط اللى كانوا موجودين زي النهارده من أجل القيام بالثورة، كانوا حوالي 90 ظابط في هذه المنطقة». وأضاف: «كُنا قوات قليلة، والخطة لم تكُن بلغت لكل الناس، زي دلوقتي، كنت بمُر على الظباط، من الصبح اللى هيشتركوا في الثورة، وكان كُلي ثقة وإيمان في الله وفي هذا الشعب، وبعد الضهر اجتمعت القيادة وقررت تنفيد الثورة، وكان من المفترض أنها تُنفذ في ليلة 22 يوليو ولكن لم تكُن الخطة اكتملت». وبسبب عدم اكتمال الخطة، أجل الثٌنائي عبدالحكيم عامر وجمال عبدالناصر الثورة لمدة 24 ساعة، حتى تكتمل الخطة ويتم إبلاغ كافة القيادات المُشتركة بما يحدث، خاصةً أنّ الملك فاروق كان يقضي عطلة الصيف في مدينة الإسكندرية، قبل أن يعلم بوجود حركة تُسمى «الضباط الأحرار»، تسعى للانقلاب على حكمه بين ليلةٍ وضحاها. وفي يوم 23 يوليو، حدثَت الثورة وأذاع البيان قائلا: «من اللواء محمد نجيب إلى الشعب المصرى اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبّب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمرهم إما جاهل أو خائن أو فاسد، حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها». وبعد قيام الثورة بيومين، أي في 25 يوليو 1953، اجتمعَ الصحفيون الأجانب في دار «أخبار اليوم» بالبكباشي، جمال عبدالناصر والصاغ، صلاح سالم، واللواء عبدالحكيم عامر والبكباشي أنور السادات، وقائد الجناح، جمال سالم، حيث طلبوا منهم أن يتحدثوا عن الدور الذى قام بهِ كل واحد منهم به، وكواليس تلك الليلة التى تغيّر فيها مصير البلد. وطلب الصحفيون الأجانب من قادة الثورة، أن يتحدثوا عن الدور الذى قام به كل واحد منهم، بدءًا من جمال عبدالناصر، الذى وصفَ بأنهُ كان «رأس الثورة المُدبر للخطة»، والصاغ صلاح سالم كان المُكلف بعمل انقلاب عسكري في الجيش المصري الموجود في سيناء، ومنع قادته من توجيهه ضد الحركة في القاهرة. أما اللواء عبدالحكيم عامر فهو الذى وضع خطة «التكتيك» للاستيلاء على السلطة في القاهرة، وقائد الجناح جمال سالم كان مكلفًا بأن يحمي ظهر الحركة من الجو، وأن يدمر بطائراته كل محاولة لإنجاد القوات التى قد تنضم لفاروق ضد حركة التحرير، والبكباشي أنور السادات كان مكلفًا بقطع المواصلات بين القيادة القائمة وألوية الجيش وأن يسيطر على مواصلات الحركة. وأثناء اللقاء الصحفي، جلسَ أنور السادات يروي للصحفيين ما حدث له في القاهرة، قائلاً: «وضع جمال عبدالناصر كل ترتيبات الحركة، وعرف كل واحد منّا دوره ولكن موعد قيام الحركة لم يكُن قد تقرر بعد، كل ما كنت أعرفه أنها ستحدث أوائل أغسطس»، وأضاف: «سافرت إلى العريش لأطلب من الضباط الذين أعتمد عليهم أن يستعدوا، ثم عدت إلى القاهرة في يوم 22 يوليو، وأنا خالي الذهن من أن الحركة قد تقررت في تلك الليلة». وأكمل شرحه لكواليس تلك الليلة، قائلاً:«عدت من الإسكندرية في مساء يوم 22 يوليو 1952، وتوجهت إلى منزلي وصحبت زوجتي إلى السينما حيث تعودت أن أذهب في أيام إجازتي إلى سينما صيفية نظرًا لاشتداد الحرارة، ولم يكن عندي أدنى فكرة بأن الأوامر قد تغيرت وأن الرأى قد استقر على تنفيذ خطتنا بعد منتصف ليل 22 يوليو». لم تمُر الليلة خفيفة على البكباشي، أنور السادات، كما روى للصحفيين الأجانب في لقائه:«تصادف أن قطع النور الكهربائي في السينما التى كُنت بها، وتعطل العرض بعض الوقت وكانت النتيجة أننا انصرفنا من السينما متأخرين نصف ساعة عن الموعد المعتاد»، وأضاف:«ذهبت إلى المنزل وشد ما كانت دهشتي، أن وجدت ورقة تركها لي البكباشي جمال عبد الناصر يخبرني فيها أن الأوامر قد تغيرت وأنه قد تقرر القيام بالحركة بعد منتصف الليل، ولم تكن رسالة جمال رمزية ومبهمة، وإنما كانت مكتوبة بصراحة تامة». قام «السادات» بخلع ملابسه، حسبما روى في اللقاء الصحفي مع الصحفيين الأجانب، وأكمل: «ارتديت ملابسي العسكرية وركبت السيارة وتوجهت إلى مقر القيادة بكوبري القبة، وعندما وصلت إلى سلاح السواري أوقفني بعض الضباط الصغار ومنعوني من المرور، إذ كانت الحركة قد بدأت وصدرت الأوامر المشددة بمنع مرور أى ضابط». لم يكُن يعرف أن التحركات الأمنية كانت مشددة آنذاك، كما أنه لم يكن يحمل تصريحًا بالمرور، ولم يعرف كلمة السر «نصر»، الكلمة التى تقررت في تلك الليلة، ولكنه عاد إلى مقر القيادة بكوبري القبة وتم تكليفه بإذاعة نبأ الانقلاب من محطة الإذاعة، حسبما يقول:«وما إن وافت الساعة السادسة والنصف، حتى توجهت إلى محطة الإذاعة ودخلت إلى الاستديو وطلبت إلى المشرفين على المحطة، تمكيني من إلقاء البيان الأول عن الحركة، وكانت محطة الإذاعة تٌذيع القرآن الكريم في فترة الصباح، فعرضوا عليّ قطع إذاعته فرفضت وقلت إنّني سأنتظر حتى ينتهى القرآن». وبعد أنّ انتهى القرآن، «أبلغت أنّ عطلاً أصاب محطة الإرسال التابعة للإذاعة، وإنني لن أستطيع إذاعة بياني واكتشفت أن هناك محاولة دبرت لمنع الإذاعة، ولكننا استطعنا افسادها وأذعت البيان، وكان أول من وصل إلى محطة الإذاعة مراسل رويترز، فترجمت لهُ البيان الذى سرعان ما أبرق به إلى الخارج، وأظن أنه كان من أول المراسلين الأجانب الذين أبلغوا بنبأ الانقلاب إلى الخارج، وأبلغ الضباط الأحرار أن حركة التحرير قد بدأت». وفي حجرةٍ أخرى، جلس جمال عبدالناصر، الذي وصفَ بـ«العقل المُدبر للثورة»، ليحكي عن كواليس تلك الليلة: «الساعة 11 بالليل، قبل ميعاد تنفيذ الثورة بساعتين، كُشفت الخطة، وأحد أخوات أحد الظباط بلغ قصر عابدين، واتصل الملك من اسكندرية اتصل بقائد الجيش، وطلب عقد مؤتمر لكبار الظباط في كوبري القبة، وقال لابُد أن نلغي كل شيء، كانت الساعة 11 وميعاد التنفيذ الساعة 1، قلتله (العجلة دارت ولن يستطيع إنسان إيقاف هذه العجلة).. وقلتله نستطيع أن نتصرف ونتحرك ونستطيع في آخر لحظة أن نغير الخطة، وأن أمر جمع كبار القادة بيدينا فرصة ذهبية لاعتقالهم كلهم بعملية واحدة». التقط عبدالناصر أنفاسه للحظات ثم أضاف: «نزلت من البيت وعديت على بيت عبدالحكيم عامر، عشان ناخُد قوات من العباسية، وكان البوليس الحربي قفل المداخل، طلعنا على كمال حسين في ألماظة، وإحنا في السكة، واحد اعتقد أن التحرك الساعة 12، واتحرك بدري بدل 1، قلنالُه (تعالى نطلع على القيادة ونعتقل الناس اللى هناك)»، صمت بعدها ثم قال «وده إنّ دل على شيء، يدُل على التوفيق، وفعلاً قبضنا على جميع القادة».

مشاركة :