د. حسن مدن مرت أمس ذكرى ثورة 23 يوليو/ تموز في مصر عام 1952. وعلى جري العادة حين تمر هذه المناسبة نسمع ونقرأ تعليقات متضادة حول ما عنته هذه الثورة لمصر وللعالم العربي عامة، بين من يبرز ما يحسبه أوجهاً إيجابية لها، فهي لم تكن تعني مجرد انتقال مصر من النظام الملكي إلى الجمهوري، وإنما عنت تحولها إلى دولة ذات وزن وتأثير لا في محيطها العربي فقط، وإنما أيضاً في المحيط الإفريقي، وصاحبة كلمة مقدرة في حركة عدم الانحياز التي شكلت محوراً دولياً مؤثراً في موازنة الوضع الدولي فترة الحرب الباردة. والحق أن مصر مهيأة من مختلف الأوجه لأداء هذا الدور، فإضافة إلى عبقرية المكان الذي تمثله، حسب وصف الراحل جمال حمدان، فإنها تمثل عمقاً تاريخياً وحضارياً، وللدولة فيها جذور تاريخية راسخة، تعود إلى آلاف السنين، وهي أول بلاد العالم التي كوَّنت وحدتها السياسية في حين أن ألمانيا أو إيطاليا، مثلاً، لم تحققاً الوحدة إلا مع بدايات الثورة الصناعية. وإذا ما توفرت الإرادة السياسية، كتلك التي كانتها التجربة الناصرية، فإن مصر تتحول إلى قاطرة للعالم العربي نحو أن يكون فاعلاً ومؤثراً في محيطه وفي العالم، لكن التجربة تأثرت بما مر على مصر من تحولات بعد هزيمة يونيو/ حزيران التي كان بالوسع تدارك ارتداداتها لولا الرحيل المبكر لجمال عبد الناصر نفسه، ومجيء أنور السادات خلفاً له الذي قوّض القاعدة الاجتماعية والسياسية الداعمة للنهج الناصري، وصولاً إلى اتفاقيات كامب ديفيد، قبل أن يسقط قتيلاً على أيدي الجماعات التي كان هو من أطلق لها العنان، لتعيث خراباً لا في مصر وحدها، وإنما في العالم العربي كله. جهود خصوم عبد الناصر الكثر متواصلة في تسفيه تجربته ودوره، وهؤلاء من مشارب شتى، بينهم بعض جماعات الإسلام السياسي التي رأت فيه نداً قوياً لها، وبينهم بعض من يتشبهون بالليبراليين وهم أبعد ما يكونون عنهم، بزعمهم أنه لولا ثورة 1952 لكانت بواكير التجربة الديمقراطية في مصر يومها قد تطورت وتحولت إلى ديمقراطية راسخة على غرار النماذج الديمقراطية الأخرى في أوروبا. وهذا القول ينقصه التشخيص التاريخي الملموس، فالتاريخ لا يكتب بالرغبات وإنما بمجريات الواقع وسطوته، فلا جدال أنه كانت هناك ثمة بواكير للديمقراطية في مصر آنذاك، لكن كان هناك فقر مدقع وحرمان من العيش الكريم للغالبية الساحقة من المصريين، وكانت هناك نسبة أمية مرعبة، ولا نعلم أي ديمقراطية يمكن أن تتطور في غياب حواملها الاجتماعية. أخطاء التجربة الناصرية ليست قليلة، وبعضها فادح، لكن منجزاتها أكثر من أن تحصى. madanbahrain@gmail.com
مشاركة :