مسرحية فلسطينية تستعيد حصار كنيسة المهد

  • 4/14/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ميرفت صادق-رام الله في ربيع 2002، كان مقاومون فلسطينيون يضيفون تاريخا جديدا لكنيسة المهد في بيت لحم، أكثر الأماكن المقدسة حول العالم، عندما لجؤوا إليها صدفة بعد ملاحقة جيش الاحتلال الإسرائيلي، فقتل من قتل وصار الباقون جزءا من الماضي، لكنه ما زال ممتدا حتى اليوم. وبعد 13 عاما، يعيد مسرح الحرية في جنين تذكير الجيل الجديد بتاريخ كنيسة المهد، لكن مع قيمة مضافة، هي قصة حصار 39 مقاوما لمدة أربعين يوما مع أكثر من مائتين من الرجال والنساء والأطفال والرهبان. وعُرضت القصة في مسرحية الحصار للمخرجين الفلسطيني نبيل الراعي والبريطانية زوي لافرتي، على خشبة مسرح الحرية بمدينة جنين وفي مسرح القصبة برام الله، وتستقبلها مدينة بيت لحم في عرضين قادمين أيضا قبل أن تنتقل للعرض في بريطانيا. سياحة تاريخية ويدخل القادم لمشاهدة العرض على أصوات ترانيم الكنيسة قبل أن ينضم إلى جولة في تاريخها بدعوة من دليل سياحي سرعان ما يكتشف المتفرجون أنه أحد ممثلي المسرحية. ويقدم الدليل تاريخ الكنيسة منذ بناها الإمبراطور قسطنطين في مطلع القرن الرابع الميلادي، وصولا إلى حصارها عندما لجأ إليها مقاومون فلسطينيون لاحقهم الجيش الإسرائيلي بعد اجتياح مدينة بيت لحم، في ما عرف بعملية السور الواقي (اجتياح الضفة الغربية) في أبريل/نيسان 2002. وتستخدم المسرحية أرشيفا تلفزيونيا يضع المشاهد في صورة المعركة التي خاضها المقاومون قبل لجوئهم إلى الكنيسة، ثم الانتقال السلس إلى مواجهة الممثلين على المسرح الذي استوحى ديكوره من أحد ردهات كنيسة المهد بأقواسها وقناديلها وضوئها الخافت. يستقبل أحد الرهبان المقاومين، وبينهم مصاب بالرصاص الإسرائيلي، متسائلا: ما الذي أتى بكم هنا؟ فيردون: اضطررنا لذلك بعد حصار كل جزء في بيت لحم، ولن نبقى هنا بدون رضاكم. ويبقون مع رهان الجيش الإسرائيلي على تسليم أنفسهم بعد نفاد دخانهم. لكن محاولة الاحتماء بالكنيسة طالت وتخللتها -في مشاهد مختزلة لقصة طويلة هناك- الاشتباكات وسقوط الشهداء والجوع وحتى أكل أوراق الشجر. وكان المقاومون يتلقون اتصالات من أعلى المستويات السياسية الفلسطينية بدأت بدعمهم اللامتناهي، وانتهت برسالة مكتوبة تطلب منهم الموافقة على الإبعاد إلى قطاع غزة أو أوروبا ضمن اتفاق غير واضح. أداة سؤال حية يقول المخرج نبيل الراعي إن المسرحية هي محاولة تذكير بما حدث لأن قصة المحاصرين في كنيسة المهد لم تنتهِ ولا تزال حية في قلوب كل المبعدين. ويوضّح الراعي للجزيرة نت أن الحصار الذي تعرضه المسرحية لا يقتصر على ما حدث في كنيسة المهد، ولكنه يقدم فكرة أوسع عن واقع الفلسطينيين جميعا. وتركز المسرحية في عدة مشاهد على فكرة رفض اللجوء، أو التذكير بمأساته، وعلى ألسنة المحاصَرين الذي صاروا مبعدين، وتعيد في نهايتها التذكير بأن الإبعاد ليس سوى تجديد للجوء الفلسطينيين اللاجئين أصلا. ويرى الراعي في عرض الحصار نمطا من المسرح السياسي الذي يحاكي الواقع باعتباره أداة سؤال حية ودائمة عن حياة الناس ومصائرهم. واستند القائمون على المسرحية إلى بحث استمر عام ونصف العام، زارت خلاله المخرجة البريطانية المبعدين في اليونان وإيرلندا وإسبانيا وإيطاليا، وقامت بتسجيل شهاداتهم وإعادة دراستها مع الممثلين وطاقم المسرحية، وكذلك دراسة قصص 26 مبعدا إلى قطاع غزة. ويشارك في رواية القصة الدرامية عن الحصار ست شخصيات رئيسية تحكي رواية الحصار والإبعاد. والغرض كما يقول المخرج إعادة طرح السؤال عن مصيرهم أمام الجهات المسؤولة. ويقول المخرج إن أحد المبعدين أجاب في مقابلة معه قائلا لو خيرت بالعودة لعدت أمس ولن أنتظر اليوم، وهو التعبير المقارب لحال المبعدين جميعا حين تحدثت شخوص المسرحية في نهاية العرض عن آمالهم في العودة إلى البيت والأم والعائلة. بدون أسماء أحد الممثلين في العرض المسرحي هو فيصل أبو الهيجاء (26 عاما)، جسّد دور المقاوم المصاب الذي فضّل بتر قدمه على أن يخرج طالبا الإسعاف من الجيش الإسرائيلي. ورغم غياب أسماء المقاومين الحقيقيين عن العرض، فإن أبو الهيجاء كان يقوم بدور المبعد إلى إيرلندا جهاد جعارة، وظهر كشخص يخوض التجربة عن وعي وطني وإصرار على مواصلة القتال. يقول أبو الهيجاء كان عمري 13 عاما أثناء حصار كنيسة المهد، وكنا وسط معركة مخيم جنين، وما سمعته عن الحادثة ليس سوى أخبار قصيرة مثل أجيال كثيرة بحاجة لمعرفة ماذا حدث، وهنا نعيد تذكير وتعريف الجيل الجديد بما حدث فعلا ولماذا قاتل هؤلاء ولماذا استشهد بعضهم. وهي بالنسبة للممثل والمشاهد مناسبة ليطالب الناس بفحوى الاتفاق المجهول الذي أبعد بناء عليه هؤلاء المقاومون على أساس العودة بعد عامين وتنصلت إسرائيل من ذلك حتى بعد 13 عاما من إبعادهم. ويقول أبو الهيجاء إن المسرحية لم تقدم شخوصا بأسمائهم أو تنظيماتهم لأن مسرحية الحصار لا تعرض قصة شخص دون الآخر، وإنما تعبر عن قصة مئات كانوا يعانون ويتعرضون للرصاص والجوع. ويضيف أن المسرحية لا تحاول إظهار المقاومين بصورة مثالية، وعلى العكس قدمت قصة حقيقية عن أشخاص تعرضوا للخيانة والخذلان أحيانا، وأظهروا الشجاعة في الاشتباك، ومرات ظهروا في لحظات ضعف شديدة. ويعتقد أبو الهيجاء أن المسرحية تحاول أيضا التصدي لرواية الجيش الإسرائيلي التي وصفت المقاومين بـالإرهابيين من خلال تجنبهم تعريض المحاصرين معهم للموت، وقبولهم الإبعاد بعد رفضه قطعيا بسبب مئات المكالمات من العائلات المحاصرة وسكان المدينة الذين ضاقت بهم الحياة تحت الاجتياح. كما يوجه هذا العرض المسرحي للسائح الأجنبي -كما يقول أبو الهيجاء- الذي يستمع دائما لتاريخ كنيسة المهد بعيدا عن حادثة حصارها وواقع الاحتلال المحيط بها، وهو ما لا يتطرق إليه أحد.

مشاركة :