تشكل استثمارات السعودية في أنشطة تكرير الخام تحولا كبيرا للدولة الخليجية، التي لم تعره اهتماما في العقود الماضية، لكنه يظهر في الوقت ذاته حجم التحديات التي تعترض الرياض للحد من اعتمادها على عوائد الخام مستقبلا. وتعد صفقة مصفاة البتروكيماويات، التي وقعتها شركة أرامكو العملاقة في أبريل العام الماضي، والبالغ قيمتها 44 مليار دولار على الساحل الغربي للهند مثالا واضحا على ذلك. وتتباين نتائج برنامج السعودية لتنويع اقتصادها، إذ يقول محللون ومتخصصون في مجال الطاقة إن بعض المشروعات تتحرك ببطء في حين أن مشروعات أخرى مفرطة في الطموح. ويبدو أن هدف ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان المعلن، المتمثل في التمكن من العيش من دون النفط بحلول العام المقبل لن يتحقق. ونسبت وكالة رويترز للباحث في الطاقة بمعهد بيكر في جامعة رايس جيم كرين قوله إن “إدمان السعودية للنفط لا يقل الآن عما كان عليه في أي وقت”. وأوضح أن الاقتصاد السعودي يعيش على النفط وهو لا يزال يهيمن على الناتج المحلي الإجمالي والصادرات والإيرادات الحكومية. وأضاف “رغم ذلك فالسعودية تعمل على تغيير علاقتها بالنفط. لا يزال الاعتماد قائما، غير أن المملكة تعمل على اعتصار قيمة أكبر من نفطها”. ومن المرجح في ضوء التقدم البطيء أن يظل اقتصاد السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط وثاني أكبر الدول المنتجة في العالم رهينة لأسعار النفط لفترة أطول من المقدر. وكان ولي العهد لدى إعلان خطة إصلاح الاقتصاد قبل ثلاث سنوات قد شدد على أن السعودية مطالبة بالتخلص من “إدمان النفط” لضمان ألا تصبح تحت رحمة التقلبات السعرية لهذه السلعة أو الأسواق الخارجية.وأدى انخفاض أسعار النفط إلى ارتفاع العجز المالي السعودي إلى 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015 الأمر الذي تسبب في إبطاء الإنفاق الحكومي والنمو. ويقول صندوق النقد الدولي إن من المحتمل أن يصل العجز في العام الجاري إلى 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مع تباطؤ النمو المرتبط بالنفط في أعقاب تخفيضات الإنتاج التي قررتها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). وتعد أرامكو محورا رئيسيا في خطة الإصلاح التي طرحها ولي العهد من عدة أوجه ليس أقلها أن خطة خصخصتها جزئيا ستولد دخلا لتمويل الإصلاحات. كما أن للشركة يدا في معظم الصفقات الكبيرة التي أبرمتها السعودية في العامين الأخيرين إذ إنها زادت استثماراتها في أنشطة التكرير والبتروكيماويات. ويقود الرئيس التنفيذي للشركة أمين الناصر المعروف بين العاملين في أرامكو باسم “مستر أبستريم” (المنبع) التوسع في قطاعات المصب. وهو يريد تقريب طاقة التكرير لدى الشركة من قدرتها الإنتاجية التي تبلغ الآن 12 مليون برميل يوميا. وأعلنت أرامكو في السابق أنها ستخصص استثمارات لا تقل قيمتها عن 50 مليار دولار في السعودية وآسيا والولايات المتحدة. ويهدف أكبر كيان نفطي في العالم لزيادة إنتاجه من الكيماويات لثلاثة أمثاله تقريبا ليصل إلى 34 مليون طن سنويا بحلول 2030 ورفع قدرته التكريرية العالمية إلى ما بين 2 مليون و10 ملايين برميل يوميا من أكثر من 5 ملايين برميل يوميا. وتكسب أرامكو أسواقا جديدة لنفطها الخام وتعمل على تعزيز وجودها العالمي في مجالات المصب المتمثلة في التكرير والمعالجة والتنقية. وهدفها أن تصبح قوة قيادية عالميا في مجال الكيماويات. وقال عبدالعزيز الجديمي النائب الأعلى للرئيس للتكرير والمعالجة والتسويق في الشركة لرويترز في مايو الماضي إن “أرامكو لا تستثمر كيفما اتفق يمنة ويسرة بل تستثمر في الأسواق المناسبة وفي أصول التكرير الملائمة وحيث تتحقق لها القيمة من أنواع الوقود إلى الكيماويات”. وفي مارس العام الماضي، استكملت أرامكو صفقة لشراء حصة قيمتها سبعة مليارات دولار في مصفاة تكرير ومشروع للبتروكيماويات مع شركة بتروناس الماليزية. وبعد ذلك بشهر وقع الناصر وكونسورتيوم من مجموعة شركات هندية اتفاقا مبدئيا لمنح شركة أرامكو حصة في مصفاة من المقرر إقامتها بطاقة تكريرية تبلغ 1.2 مليون برميل يوميا في ولاية ماهاراشترا الغربية في الهند. واستكملت الشركة صفقاتها بتوقيع اتفاقية في فبراير الماضي قيمتها 10 مليارات دولار لإنشاء مجمع للتكرير والبتروكيماويات في الصين. وفي الشهر الماضي وقعت الشركة 12 اتفاقا مع كوريا الجنوبية بمليارات الدولارات في أنشطة تتراوح من بناء سفن إلى توسعة مصفاة تكرير مملوكة لأرامكو. وقال روبين ميلز الرئيس التنفيذي لشركة قمر إنرجي لاستشارات الطاقة في دبي “هذا ما أسميه نهج العودة للأساسيات في ما يتعلق بالتنويع الاقتصادي في الخليج”. وأضاف “صناعة الطاقة لديها أصول ورأسمال ومهارات ولذا فهي محرك المشروعات الجديدة من تكرير وبتروكيماويات وغاز وما إلى ذلك”. وتريد أرامكو أن يتساوى تدريجيا وجودها في قطاعات المصب مع مستوى منافسيها الكبار وكذلك تقليل مخاطر تعرضها لأي انخفاض في الطلب على النفط الخام أو تقلبات أسعاره شأنها في ذلك شأن السعودية نفسها. وقال مصدر بصناعة النفط مطلع على خطط السعودية “تريد أن تضمن الطلب عليك في الأسواق الرئيسية، عليك أن تكون أكثر نشاطا وأن تصبح أكثر قدرة على التكيف وأن تتأكد من ضمان مستقبلك. فهذا ما حققته ماليزيا على سبيل المثال وكذلك الهند”.
مشاركة :