أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس المسلمين بتقوى الله وخشيته، وتحدث عن الحج وفضله، مرحبًا بحجاج بيت الله الحرام في بلاد الحرمين . وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام: نَحْنُ عَلَى أَعْتَابِ الْمَوْسِمِ الأَشْهَرِ، وَأَيَّامِ الْحَجِّ الأَكْبَرِ: مَعْدِنِ الحَسَنَاتِ وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ، وَكَنْزِ الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ، وَيَنْبُوعِ الْمَنَافِعِ الْمُتَكَاثِرَاتِ الْمُتَعَدِّدَاتِ. أَيَّامٌ قَلاَئِلُ وَأُمَّةُ الإِسْلاَمِ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى مِنْ مِيقَاتٍ زَمَانيٍّ وَمَكَانيٍّ مُحدَّدٍ لأَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، الرُّكْن الخامس مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلاَمِ، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ . وأضاف: أهم وأعظم القَضَايَا الَّتِي قَامَ عَلَيْهَا رُكْنُ الْحَجِّ الرَّكِيْنِ، هِيَ تَجْرِيْدُ التَّوْحِيْدِ، الَّذِي هُوَ حَقُّ الله عَلَى العَبِيْدِ، وَإِفْرَادُهُ سُبْحَانَهُ بِالعِبَادَةِ دُوْنَ سِوَاهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾، فَأَعْظَمُ مَقَاصِدِ الحَجِّ وَمَنَافِعِهِ: تَحْقِيْقُ التَّوْحِيْدِ الخَالِصِ، وَمَا التَّلْبِيَةُ الَّتِي يَلْهَجُ بِهَا الحَجِيْجُ، إلاَّ عُنْوَانُ التَّوْحِيْدِ وَالإِيْمَانِ، وَالطَّاعَةِ وَالإِذْعَانِ. وأردف: حُجَّاجَ بَيْتِ اللهِ الحرام هَا أَنْتُمْ أُولاَءِ فِي رِحَابِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، تَهْفُو نُفُوسُكُمْ لأَدَاءِ الْمَنَاسِكِ الْعِظَامِ، وَالْوُقُوفِ بِالْمَشَاعِرِ الْفِخَامِ، فَلِلَّهِ دَرُّكُمْ مِنْ إِخْوَةٍ مُتَوَادِّينَ مُتَرَاحِمِينَ، وَأَحِبَّةٍ عَلَى رِضْوَانِ اللهِ مُتَآلِفِينَ مُتَعَاوِنِينَ، وَصَفْوَةٍ لِنَسَائِمِ الإِيمَانِ مُتَعَرِّضِينَ، ذَوَتْ فِي جَلِيلِ مَقْصَدِكُمْ زِينَةُ الأَثْوَابِ، وَعِزَّةُ الأَنْسَابِ، وَزَخَارِفُ الأَلْقَابِ وَالأَحْسَابِ. يَعقِدُ الإِسْلاَمُ وَفِي أَحْكَمِ مَا يَكُونُ العَقْدُ بِإِحْدَى مَنَافِعِ الْحَجِّ الجُلَّى، مَنَاطَ الْوَحْدَةِ الْجَمَاعِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ الصَّلْبَةِ، الَّتِي تَنْحَسِرُ دُونَهَا كُلُّ الْمِحَنِ وَالْمَآسِي، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾. وتابع: هَذِهِ الرِّحَاب الطَّاهِرَة التي تَقْضُوْنَ فيها أَيَّامًا مُبَارَكَاتٍ، قَدْ خَصَّهَا المَوْلَى سُبْحَانَهُ بِخَصَائِصَ لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا، أَظْهَرُهَا: نِعْمَةُ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالاطْمِئْنَانِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً﴾ ، وَهَذَا الأَمْنُ الرَّبَّانِيُّ المُعْجِزُ لِكُلِّ المُحَاوَلاَتِ البَشَرِيَّةِ فِي إِيْجَادِ مَنْطِقَةٍ حَرَامٍ، مُمْتدٌّ أَثَرُهُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، لاَ يَنْفَكُّ عَنْ هَذَا البَلَدِ الأَمِيْنِ، بِحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ. وَمَنْ هَمَّ بِالإِخْلاَلِ بِهِ؛ أَذَاقَهُ اللهُ عَذَابًا أَلِيْمًا، يَقُوْلُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ : ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ،داعيًا حجاج بيت الله الحرام إلى الحِفَاظِ عَلَى هَذِه النِّعْمَةِ السَّابِغَةِ، و تَعْظِيْمِ هَذِهِ البِقَاعِ الشَّرِيْفَةِ؛ تَأَدُّبًا وَتَوْقِيْرًا، وَصِيَانَةً وَتَطْهِيْرًا، حَذَارِ مِنْ كُلِّ مَا يُعَكِّرُ أَمْنَهَا وَأَمَانَهَا، وَسَكِيْنَتَهَا وَاسْتِقْرَارَهَا، وَلاَ يَعْزُبُ عَنِ الأَذْهَانِ أَنَّ قَضِيَّةَ قُدْسِيَّةِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَأَمْنِ الحَرَمِ وَالحَجِيجِ، قَضِيَّةٌ مِنَ الأُسُسِ وَالثَّوَابِتِ الَّتِي لاَ تَقْبَلُ المُسَاوَمَاتِ، وَلاَ تَخْضَعُ لِلْمُزَايَدَاتِ، فَلا مَجَالَ فيه للشِّعَاراتِ السِّيَاسية، أو الدَّعَوات العُنْصرية والطَّائفية والمذهبية، أو التَحَزُّبَاتْ، والجِدَالاتٍ وَالمُهَاتَرَاتْ، أو السِّجَالاتِ والمُلاسَنَات؛ بل هو فَرِيضَةٌ شَرعية، ورِحلةٌ إيمانية : ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾، وَيَقُولُ الحَبِيبُ المُصْطَفَى: "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (متفق عليه). فيَنْبَغِي لِلْحَاجِّ مُرَاعَاةُ تَحْقِيقِ الإِخْلاَصِ للهِ، وَالتَّجَرُّدِ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، والاِسْتِعْدَادُ لِلْمَنَاسِكِ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي أَحْكَامِهَا، وَسُؤَالِ أَهْلِ العِلْمِ عَمَّا يُشْكِلُ. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن الحَجّ عِبَادَةٌ وسُلُوكٌ حَضَارِيّ، وتعزيز منهج الوسطية والاعتدال في المناسك، وإثْرَاءِ تَجْرِبَةِ الحاجِّ الدِّينِيَّة والرُّوحِيَّة والثَّقَافِية في صُورَةٍ تُجَسِّدُ عالمية هذا الدين القَوِيم، وتحقيقه للرَّحْمَةِ والتَّسَامُحِ ومكافحته للتَّطَرُّفِ والإرْهَابِ، وحِرْصِهِ على تعزيز الأمْنِ والسِّلْمِ الدَّوْلِيَّيْنِ. ولفت إلى ما تَطرَّزَت به المشَاعِر المُقَدَّسَةِ عُمُومًا والحرَمَيْنِ الشَّرِيفَينِ خُصُوصًا بالاهتِمَامِ الغَامِرِ مِنْ لَدُنْ وُلاةِ الأَمْرِ في هَذِهِ البِلَادِ المُبَارَكَةِ، ومُضَاعَفَةِ مَنْظُومَةِ الخَدَمَاتِ، وتَسْخِيرِ كُلّ المَوَارِدِ والإمْكَانِيَّاتِ . وتابع: حُجَّاجَ البَيْتِ الحرَام كُونُوا عَوْنًا لإخْوَانِكُم مِن رِجَالِ الأمْنِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ الأمن والنِّظَام ويُوَجِّهُون الحُشُودَ لِمَنْعِ التَّزَاحُمِ والتَّدَافُع، وتَعَاوَنُوا مع القَائِمِينَ على خِدْمَتِكُم من الجِهَاتِ الإشْرَافِيَّةِ على الحرَمَيْنِ الشَّرِيفَينِ، فإنهم يَعْمَلُونَ بِدَأبٍ واجتهاد، فكم أَعدُّوا ورتَّبوا، ونَسَّقوا وخَطَّطُوا لخدمتكم، وإنهم ليُضَحُّونَ لِرَاحَتِكُمْ، ويَبْذُلُونَ الغَالِي مِنْ أَجْلِ سَلامَتِكُمْ، وإنَّ مَنْظُومة الخَدَمَاتِ المُتَكَامِلَةِ خدمة ِلْلحُجَّاجِ والعُمَّارِ والزُّوَّار من قَاصِدِي بَيْتِ الله الحَرَام ومَسْجِدِ رَسُولِ الله عليه أفْضَلُ صَلَاةٍ وأَزْكَى سَلَام؛كي ينْعَمُوا بِأَجْوَاءٍ إيمانِيَّةٍ فَرِيدة مِلْؤُهَا السَّكِينَةُ والأمن والطُمَأنِينَةُ .
مشاركة :