كمدخل غير مسبوق في عمل روائي، وكتكنيك بين الفصول المتوالية تكون دورانات حلزونية من الأعلى/الأسفل، شخصيات قارئ/قارئة/كاتب/رواية، والأخيرة هي المحور الذي تدور حوله أحداث الرواية التي قرئت مرات فتكون غير مكتملة لما يصيبها من تداخل في الأوراق بينها ومثيلات لها، أو ساحات فارغة من الأوراق، وكل فصل بعنوان دال على الحدث المتوقع والمنتظر، لتكون نهايته النكوص إلى البداية للانطلاق مجددًا للبحث عن النهاية، لا تكون النهاية التي يبحث عنها الجميع، قارئ/قارئة/كاتب هو كالفينو، فكرة بنت فكرة، وحكاية بنت حكاية هذا يعني الإبداع الحقيقي. نهاية هذه الرواية مكونة من عناوين الفصول المتولاليات التي حددت المعنى للرواية من الغلاف إلى الغلاف "لو أن مسافرًا في ليلة شتاء، خارج بلدة مالبروك، مطلاً على حافة الجرف دون خوف من الريح ومن الدوار، ينظر إلى الأسفل حيث تتكاثف الظلال في شبكة الخطوط المترابطة في شبكة الخطوط المتقاطعة، فوق بساط من أوراق ينيرها القمر حول قبر فارغ، أي حكاية تنتظر هنالك خاتمتها، يسأل متشوقاً لسماع القصة". بعد زواج القارئ من القارئة المصرين على البحث عن النهاية الحقيقية للرواية المتداخلة والمتنافرة، وكلاهما كان يقرأ الرواية ذاتها، تطفئ الزوجة المصباح لتنام، وتطلب من زوجها الشيء نفسه، فيرد عليها: "لحظة واحدة، أنا على وشك الانتهاء من قراءة – لو أن مسافرًا في ليلة شتاء لإيتالو كالفينو"، وهذه نهاية الفصل الثاني عشر من الرواية ذاتها اللافتة والحديثة الفريدة بما تعني الكلمة. كالفينو يعتبر من كُتاب الرواية الحديثة في عرف النقاد المتابعين لنتاجه في هذا المجال، وقد كان في بداياته يرى "أن المتعة الحقيقية في قراءة كتاب حقيقي أحسست بها في سن متأخرة كنت في الثالثة عشرة مع كيبلنغ في الكتاب الأول، وبالخصوص كتاب الغاب الثاني، ومن ذلك الحين بدأت أبحث عن شيء ما في الكتب بأن تتجدد المتعة التي شعرت بها في البدء"، وقد ارتبط بصداقة مع الشاعر والكاتب تشيزاري بافيزي، الذي طالت بوجودهما وتطورت ككاتبين مبدعين وعملا في النشر معًا، وكونا صداقات مع من يماثلهما في إيطاليا وفي خارجها من الأدباء في العالم؛ حيث مكانتهما الإبداعية التي جلبت المتلقين لمتابعة ما يقدمانه. وكالفينو يعد من ضمن الروائيين الأفضل بعد الحرب العالمية الثانية، والأكثر إثارة، والأكثر مغامرة كما في رواياته - مدن لا مرئية - قلعة المصائر المشتركة - السيد بالومار- الفارس المشطور - الفارس الخفي - وغيرها، ما جعل الناقدين يصفونه بأن عقله الثقافي واستيعابه للعواطف البشرية، وقدرته الغريبة على الكشف وأسلوبه الذي هو نسيج من الشعر والتجارب والفهم الأبعد، حتى عد من قائمة بروخيس ونابو كوف بأعماله الغريبة والجميلة التي ترجمت لأكثر اللغات العالمية، ما عرف به وبعالمه ككاتب عملاق، لقد كانت روايته - لو أن مسافرًا في ليلة شتاء - كما الشجرة متعددة الجذور الثابتة وكثيرة الغصون المتفرعة المثمرة بألوان وأصناف متعددة من الثمار، ما يدعو إلى العجب مما تنتج.
مشاركة :