يجلس الشاب الجزائري عرفات مولود في حديقة الأطفال القريبة من منزله، وهو يتابع طفليه أنيسة (10 أعوام) وآدم (7 أعوام) وهما يلعبان مع أصدقائهما وحديثهم يدور باللغة الفرنسية التي تتناثر بين كلماتها مفردات عربية معدودة. ويفسر مولود هذا الأمر قائلاً لـ«الاتحاد»، «يذهب ابناي إلى مدرسة خاصة، اللغة الفرنسية هي لغة التعليم فيها، والرسوم المتحركة وبرامج الأطفال بالتلفاز يغلب عليها اللغة الفرنسية، ومع الوقت باتا لا يفهمان العربية جيداً». ويقول «لدي جيران مصريون وسوريون، وأبناؤهم في عمر أبنائي، لكنهم لا يفضلون اللعب مع أبنائي لأنهم يتحدثون العربية، بينما لا يفهم أبنائي سوى الفرنسية». ويضيف «أنا نفسي تلقيت تعليمي باللغة الفرنسية شأني شأن أغلب الجزائريين، وهو ما جعلني أقف كثيراً لأفكر قبل أن أتحدث بالعربية لأستعيد مفردات اللغة». مشكلة مولود ليست شخصية، بل هي تعبر عن أزمة في اللغة يعيشها الجزائريون من مختلف الأعمار، بينما أنت تسير في شوارع بلد عربي، فإن أغلب ما تسمعه حولك هو كلمات فرنسية. ومع اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير الماضي، بدأت المطالبات من الجزائريين بإنهاء الهيمنة الفرنسية على البلاد وفي مقدمتها انتشار اللغة الفرنسية، ويبدو أن مكاسب الحراك لن تتوقف عند الجانب السياسي بالإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أو رموز نظامه، بل قد تصل إلى تعريب التعليم. وبالتزامن مع الحراك، أطلق نشطاء إلكترونيون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار «اتركوها تسقط» تدعو إلى إلغاء اللغة الفرنسية في المكاتبات الحكومية والرسمية والمناهج التعليمية. وقبل أيام، أعلنت وزارة التربية الجزائرية إلغاء اللغة الفرنسية نهائياً من اختبارات الترقية المهنية للمعلمين والأساتذة، بالإضافة إلى إدراج اللغة الإنجليزية في مسابقات التوظيف الخارجية، وأصبح بإمكان المتقدمين الاختيار بينها وبين الفرنسية. كما أطلقت وزارة التعليم العالي استطلاعاً للرأي حول اعتماد «الإنجليزية» لغة أجنبية أولى في الجامعات بدلاً من الفرنسية، وجاءت النتيجة بنسبة تفوق الـ90% لصالح استخدام اللغة الإنجليزية في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي. وتعد الفرنسية، اللغة الأكثر استخداماً في الجزائر منذ عشرات السنوات، إذ تهيمن على أغلب التعاملات الرسمية داخل المؤسسات العمومية وعلى المناهج الدراسية، كما يكثر استعمالها في التخاطب اليومي بين الجزائريين، الأمر الذي يرجعه البعض لتأثير الاحتلال الفرنسي للجزائر الذي دام 132 عاماً. وتعد الجزائر من أكثر الدول التي تستعمل فيها اللغة الفرنسية خارج منظمة الفرنكوفونية، وفقاً لمرصد اللغة الفرنسية التابع للمنظمة الدولية للفرنكوفونية في شهر مارس الماضي والذي أظهر أن عدد المتحدثين باللغة الفرنسية في العالم بلغ 300 مليون شخص، بينهم 13 مليوناً و800 ألف جزائري، أي ما نسبته 33% من الجزائريين يتحدثون «الفرنسية» في حياتهم اليومية. وأثار استخدام بعض المسؤولين الجزائريين للغة الفرنسية في مناسبات رسمية انتقادات عديدة، منها على سبيل المثال استقبال أحمد أويحيى رئيس الوزراء السابق، للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في شهر سبتمبر الماضي، حين تحدث أويحيى في المؤتمر الصحفي باللغة الفرنسية، وتحدثت ميركل بالألمانية، دون وجود ترجمة بـ «العربية» لأي منهم. وزيرة الثقافة الحالية مريم مرداسي هي الأخرى لم تسلم من تلك الانتقادات بسبب أنها تتحدث بلغة عربية ركيكة في أغلب المناسبات، الأمر الذي لاقى استهجان البعض لكونها وزيرة للثقافة لا تتقن الحديث بلغة بلدها، خاصة عند مقارنتها بسلفها عز الدين ميهوبي الذي كان أحد قادة اتجاه التعريب في الجزائر. وعلى الجانب الآخر، أعرب تيجاني حسان هدام وزير العمل والتشغيل الجزائري عن تأييده لإحلال اللغة الإنجليزية بدلاً من الفرنسية في التعليم بالجزائر، إذ قال في تصريحات له مؤخراً «أتمنى أن تتطور اللغة الإنجليزية في الجزائر وتأخذ مكانة اللغة الفرنسية؛ لأنها ليست لغة عالمية وينحصر التعامل بها على مستوى بلدان معينة فقط». وكشف المسؤول الحكومي عن الشروع في بدء التدريس باللغة الإنجليزية في المدرسة العليا للضمان الاجتماعي في العام الدراسي المقبل، كتجربة أولى لتمكين البلدان الأفريقية، خصوصاً تلك الناطقة بـ (الإنجليزية) الاستفادة من خدمات هذه المدرسة العليا وذلك في إطار المسعى الرامي إلى تعزيز دور هذا الصرح العلمي على المستويين الإقليمي والقاري في مجالات التعليم والتدريب». ويقول الدكتور يونس عبد السلام الأستاذ بكلية الإعلام بجامعة الجزائر لـ«الاتحاد»: «إن قرار إحلال اللغة الإنجليزية محل الفرنسية هو قرار صحيح علمياً، فاللغة الإنجليزية هي لغة الأبحاث عالمياً، واعتمادنا على اللغة الفرنسية، يجعلنا نعتمد على الترجمات من الإنجليزية للفرنسية وأحيانا ما تكون غير دقيقة أو متأخرة بعض الشيء»، ويضيف «هذا القرار لن يكون من السهل تطبيقه، لذلك يجب الصبر والإصرار عليه ليؤتي ثماره»، مشيراً إلى أنه يمكن الاستفادة من المراكز الثقافية الإنجليزية والأميركية بالجزائر في نشر اللغة الإنجليزية أو توقيع بروتوكولات تعاون مع جهات خارجية لإتاحة معلمين لغة إنجليزية لمختلف مراحل التعليم. وأشار إلى أن الرئيس الأسبق اليمين زروال أقر قانون التعريب إلا أن الرئيس السابق بوتفليقة ومنذ توليه الحكم في 1999 جمد العمل بهذا القانون لصالح اتجاه «الفرنسية».
مشاركة :