ألقى الشيخ صالح عباس، وكيل الأزهر الشريف، كلمة في حفل افتتاح فرع مركز الأزهر لتعليم اللغة العربية بأندونيسيا، اليوم الاثنين.وقال "عباس": إن المسلم الحق مشغول بإيمانه، بينما الشخص المتشدد ينشغل بإيمان غيره، ويسعى المسلم الحق لنفسه ولغيره إلى بلوغ الجنة، في حين يسعى المتشددون لإثبات أن غيرهم سيدخل النار.وتابع: في الوقت الذي يبحث فيه المسلم الحق للآخرين عن الأعذار ليغفر لهم الأخطاء والزلات عملا بقول رسول الله ﷺ:(اعْفُوا عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً)، بينما الشخص المتشدد يفتش عن أخطاء الآخرين وهفواتهم لمعاقبتهم والتكلم عنها.وأكد أن هذه الأمور تبين الفارق بين التشدد والتوسط، وقد وصف المولى سبحانه وتعالى أمة الإسلام بأنها الأمة الوسط: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.وأوضح أن الوسطية هي العدل كما فسرها النبي ﷺ، والوسطية شاملة لكل قضايا الإنسان؛ وكانت نصائح الرسول ﷺ دائمًا هي الدعوة إلى التيسير والتبشير والبعد عن التعسير والتنفير.وأضاف أن الوسطية ينبغي أن تكون في العقيدة، مصداقًا لقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}، وتكون في الأخلاق والسلوك: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}، وتكون في التشريع لقوله سبحانه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ}، ووسطية في العبادات، ولنا في رسولنا ﷺ أسوة حسنة، حيث قال: (أما واللهِ إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصومُ وأفطر، وأصلي وأرقدُ، وأتزوجُ النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).وقال: إن المولى سبحانه وتعالى ما أمر بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، وتلك هي الوسطية في الإسلام، ولا تقتصر الوسطية على التعامل مع المسلمين فحسب بل تمتد للتعامل مع جميع البشر، قال تعالى {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.وتابع: بالوسطية يجني المجتمع ثمرات كثيرة، وتحصل الخيرات وتبلغ المصالح والغايات، ويتحقق الاستقرار والتلاحم، وينتشر التآلف والتراحم وتعصم الأنفس، وتصان الدماء، وتحفظ الأموال والأعراض، ويغلق الطريق أمام الأفكار المنحرفة والهدامة. وقال: إن معيار الوسطية الحقيقي ينحصر في إقامة العدل بين الناس، ورعاية الأسر الفقيرة وتحسين أحوال معيشتها، وتوفير فرص العمل المناسبة للشباب، والقضاء على الأمية الثقافية والفكرية، ونبذ الخلاف والصراع والتشدد، وصناعة القدوة من القادة والزعماء ورجال الدين والمعلمين، وأن هذه تعاليم ديننا، وذلك هو المدلول الحقيقي للوسطية الذي ننشده.
مشاركة :