خادم الحرمين.. السيف أصدق إنباء من الكتب

  • 4/15/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

على مر العصور كان الحق دائماً في صراع مع الباطل. وبما أن أهل الباطل من الجبن بمكان، بحيث لا يواجهون بشكل مباشر، وإنما يأتون بطرق ملتوية، وعبر المؤامرات، والحيل المدبرة؛ لذلك كان لا بد للحق من قوة تحميه، وتقف سداً منيعاً ضد سيل المؤامرات والحيل العمياء، التي تحاول النَّيل منه. ومن المؤسف أن العرب، وعلى مدى سبعين عاماً، هي عمر الجامعة العربية، التي أُسست وعُرفت باسم بروتوكول الإسكندرية في شوال عام 1364هـ، الموافق 1945م، وهي تمارس مهامها، وتعقد القمة تلو القمة حسب النظام والترتيب المعد لذلك، ولكن بدون أفعال أو قرارات جادة، يمكن أن يؤسَّس عليها عمل. ولب الموضوع الذي أود طرحه اليوم ما فجَّرته عملية عاصفة الحزم من مشاعر مكبوتة جثمت على صدور أبناء العالم العربي عقوداً من الزمن، وهي ترى أوطانها تقضم بقسوة الواحد تلو الآخر، وللأسف بتواطؤات دولية من هنا وهناك خدمة لمصالح أطراف دولية ليس إلا؛ ولذلك جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في القمة الحالية في دورتها الـ 26 برئاسة مصر، المنعقدة بمدينة شرم الشيخ، من رغبة صادقة لإعادة هيكلة الجامعة؛ لتلبي حاجات الأمة، وتخرجها من حالة الركود الذي تعيشه على مدى هذه السنين العجاف في تاريخ الأمة العربية. فلا عذر لهذه الأمة بعد اليوم؛ فقد حباها الله من الثروات والعقول الشيء الكثير، ولكن أعداء هذه الأمة، وللأسف وبعضهم من أبنائها الذين لا يريدون بها خيراً، والذين باعوا ضمائرهم بدراهم معدودة؛ فغدوا أبواقاً تنفخ بلا هوادة، فيما يقود الأمة الإسلامية التي شرفها رب العزة والجلال واصطفاها من بين الأمم لتكون خير أمة أخرجت للناس، إلى الهلاك والدمار، ولذلك آن الأوان لكي نقول كفى تيهاً يا أمة اقرأ. وبعد أن مَنّ الله على هذه الأمة لكي تجتمع بعد فرقة، وتعبر عن آمالها وتطلعاتها بكل صدق وصراحة، وما كان لها ذلك لولا أنها حددت وبدقة من هو الصديق ومن هو العدو، فعليها أن لا تضيع هذه الفرصة، وقد قيض الله لها خادم الحرمين الشريفين؛ ليتلمس وسط هذا الخضم وعبر هذا الشتات بصيص نور، شاءت إرادة الله أن يراه، فيجب أن تُستغل الفرصة، ولا ينبغي أن تضيع، وسط صراخ الخائفين. ورحم الله الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان حين حفظنا أبياته التي ما زال صداها يتردد في أذني حتى اليوم منذ أن كنت في المرحلة المتوسطة، وهو يقول كفف دموعك ليس ينفعك البكاء ولا العويل... وانهض ولا تشكو الزمان فما شكا إلا الكسول إلى أن يقول: وانظر بعينيك الذئاب تعب في أحواضها... وطن يباع ويشترى.. وتصيح فليحي الوطن لو كنت تبغي خيره لبذلت من دمك الثمن ولقمت تضمد جرحه.. لو كنت من أهل الفطن وها قد بذلنا من دمنا الثمن، وجاء اليوم الذي خرجنا فيه من صمتنا؛ لنعلن للعالم لا مجال للمهادنة بعد اليوم في أمور سيادية، وليعلم الجميع أننا ننفذ أمر الله الذي نعبده وندين بدين نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ يقول عز من قال: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} البقرة الآية 190. والمتابع لما يجري من قِبل إيران في المنطقة يرى بأم عينيه كيف أن إيران منذ أن اتخذت مبدأ تصدير الثورة إلى الدول المجاورة لزعزعة أمنها واستقرارها لم يسلم حتى موسم الحج من شرور هذه الدولة، من خلال دعوتها للمسيرات السياسية العدائية باسم الإسلام، وهو منها براء، وكم جرت علينا من الويلات والضحايا، فضلاً عن ترويع الحجاج الآمنين في رحاب بيت الله العتيق، وقد جاؤوا من كل فج عميق؛ ليشهدوا منافع لهم، لا ليشهدوا مصارعهم على أيدي حرس إيران الثوري. وكل هذا أُمكن بفضل الله ثم تضافر الجهود احتواؤه من قِبل الجهات الأمنية في المملكة العربية السعودية، وباحترافية ومهنية شهد بهما الجميع، وأمكن وأد الفتنة. وما انفكت إيران تزرع جيوبها الطائفية في كل رقعة استطاعت الوصول إليها في العالم العربي، فها هي تبتلع العراق، وتحطم حضارته، وتطمس معالمه من خلال سياسة الترويع. وها هي تهيمن على لبنان وتحرمها من العيش باستقرار، وامتدت يدها بكل وضوح لسوريا مستغلة التفكك العربي الدولي حيال قرار موحد ضد وضع حد لما يجري هناك، وإعادة سوريا المختطفة لمحيطها العربي. وهنا لا بد أن أذكر أن على جامعة الدول العربية، وبعد أن قيض الله لها من يخرجها من صمتها الدفين، أن تفتح ملفاً خاصاً لمشكلة سوريا، بحيث يكون الحل عربياً، ويعتمد في المقام الأول على تحييد إيران وروسيا من أي تدخل من شأنه أن يعيد الأمور إلى نقطة الصفر. فإن كان النظام السوري وهو يندد بسحب مقعده من جامعة الدول العربية، ويرى في ذلك انتقاصاً لسيادته، وهو إحدى الدول المؤسسة للجامعة العربية، ويريد أن يعود إلى حاضنته العربية الأم، فعليه أن يستمع لصوت العقل والحكمة، وأن يتخلى عن الأوهام والإغراءات الإيرانية، فما هي إلى زوبعة مرتعدة لا تلبث أن تتلاشى، وتظهر الحقيقة، ولات ساعة ندم. وعلى جميع المنظمات الإسلامية أن تمارس دورها بكل وضوح، وأن تكون طرفاً فاعلاً في الحل العربي لمشكلة سوريا. لماذا تنشط منظمات الملالي من كل حدب وصوب، مدعومة بآلة إعلامية إيرانية، لا تعرف الحياد، ولا تعترف بالموضوعية، بل ترفع شعار الغاية تبرر الوسيلة، وهي تروج للكذب علناً وعبر أبواق مأجورة ألفناها وعرفناها جيداً على شاشات الفضائيات؟ فمن محاسن ما نحن عليه اليوم من واقع أن أظهر لنا العديد من وجوه النفاق التي كانت تدعي وصلاً بنا في حين أنها كانت تضمر الحقد الدفين، وإذا بها تظهر فجأة وللأسف - على شاشات من كنا نحسن الظن بهم، مثل قناة المستقلة؛ لترى في دفاعنا عن حدودنا خطأ استراتيجياً، سوف يكلفنا الكثير. أما استمرار اقتطاع إيران وأذنابها لأراضي المسلمين، ومن ثم الدعوة للتحاور، فهذا أمر طبيعي، ويجب علينا التعاطي معه بكل أريحية وخضوع. ونحمد الله أن قيّض للأمة إجماعاً عربياً على تكوين قوة ردع إسلامية عربية مشتركة للوقوف ضد أي طامع أو غاصب. جاء ذلك ضمن كلمة رئيس القمة، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في ختام أعمال القمة العربية الـ26 بمدينة شرم الشيخ، التي أكد فيها أن القادة العرب اعتمدوا مبدأ إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة تحت إشراف رؤساء أركان القوات المسلحة بالدول الأعضاء، لافتاً إلى أن رؤساء أركان الجيوش العربية سوف يجتمعون لدراسة كل الجوانب المتعلقة بإنشاء القوة العربية المشتركة وتشكيلها، ومؤكداً أن القادة العرب من خلال اتصالاتهم مع كل الأطراف الدولية يؤكدون جديتهم في الوصول إلى حلول للقضايا التي تمر بها المنطقة. وهذه الفرصة العظيمة التي فرضتها ظروف التوسع الأفقي للمد الإيراني في المنطقة بشكل مفزع ينبغي أن لا تنسينا أن تفعيلها يتطلب إرادة صادقة ونكراناً للذات، والتزاماً بما يتم الاتفاق عليه؛ ولذلك طموحنا نحن الشعوب أن نشعر بأن هناك قوة ضاربة، يمكن لها أن تكون حاضرة وجاهزة لتلبية نداء الواجب فيما لو حدث ما يتطلب تدخلها، وهذا يتطلب وضع الضوابط الملزمة لكل الدول الموقعة على ميثاق الجامعة العربية موضع التنفيذ، وكذلك تحديد آليات العمل المشترك، تبعاً لكل حالة ولكل ظرف يستجد على الساحة العربية، بحيث لا تُترك الأمور للتقدير أو المراجعة للخروج بحلول مُرضية، بل يجب أن تعالَج كل مشكلة بما يتناسب مع حجمها وأهميتها، وهل يستدعي حلها تدخلاً عسكرياً أم السعي في مفاوضات أم حوار بناء؟.. وهذا من شأنه أن يجعل للجامعة شخصية مستقلة في قرارها، واحتراماً من قِبل المجتمع الدولي. وقد كان لإيماءة خادم الحرمين الشريفين عندما طالب في كلمته أمام الجامعة بضرورة إعادة هيكلة الجامعة أثرها في إحياء دور الجامعة الذي أصابه الخمول، ووُجّهت الرسائل لكل الأعضاء بأن المرحلة المقبلة لا تحتمل الكلام، وعلينا التحرك من أجل التنفيذ الفعلي لما تم الاتفاق عليه. وفي ذلك خير للأمة الإسلامية جمعاء، ومقدمة متفائلة بوضع حل نهائي لمعاناة الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الاحتلام لما يقارب سبعة عقود، ويعاني الأمرّين من المحتل الغاشم. وبذلك تكون الجامعة قد انتقلت من مرحلة السبات والتنظير إلى مرحلة العمل الجاد الدؤوب، وهذا ما يطمح إليه كل أبناء الأمة الإسلامية عموماً، وأبناء المنطقة العربية بشكل خاص، ويحلمون به {.... وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} يوسف الآية 21.

مشاركة :