لدى الناشطة جيل برادبروك رسالة حازمة إلى المزارعين، وجهتها إليهم في المؤتمر الأخير حول تغير المناخ والزراعة الذي عقد في حظيرة محولة في كوتسوولدز: نظرا إلى اعتمادهم على الأرض، يجب على المزارعين التحالف مع حركة التمرد ضد الانقراض، قبل الانخراط في الاحتجاجات المخطط لها في الخريف في لندن. قالت المؤسسة المشاركة لحركة التمرد ضد الانقراض: "انضموا إلينا واجلبوا جراراتكم! توقفوا عن كونكم بريطانيين لعينين!" . اللحظة التقطت المعضلة التي تواجه المزارعين البريطانيين. مثل قطاعات الاقتصاد الأخرى، سيتعين على الزراعة المساهمة بقدر لازم، إذا ما أرادت بريطانيا الوفاء بتعهدها الطموح: خفض صافي انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050. بيد أن الزراعة التي تمثل نحو 9 في المائة من الانبعاثات المحلية تواجه بالفعل فترة من التغير العميق، في الوقت الذي تفكر فيه في احتمال الحياة خارج الاتحاد الأوروبي. بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ستستبدل الإعانات السنوية التي يتلقاها المزارعون بموجب السياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الأوروبي بنظام جديد جذري يركز على توفير "المنافع العامة"، مثل المياه النظيفة أو موائل الحياة البرية. إضافة إلى ذلك، لا تزال الشروط التي تتعلق بما سيتبادلونه مع أوروبا والعالم غير معروفة: تعريفات التصدير أو الصفقات التجارية الجديدة قد تجعل المنتجات الزراعية البريطانية من لحم البقر إلى الزبدة غير قادرة على المنافسة. ومع كل حالة عدم اليقين يخشى بعض المزارعين من أنهم غير مهيئين بعد لإصلاح ممارساتهم، من أجل خفض انبعاثات غازات الدفيئة. حتى قبل هدف خفض صافي الانبعاثات إلى الصفر، توقع خبراء الزراعة أن عديدا من المزارع الأصغر غير المربحة، ستُجبر على ترك أعمالها بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. قالت ماريان هاردينج التي تدير مع زوجها ديفيد مزرعة ألبان كورت لودج أورجانيكس، في شرقي ساسكس ، إنهما يريدان المساعدة في مكافحة تغير المناخ، لكنهما غير متأكدين من كيفية ذلك. مثل معظم المزارعين لم يحللا البصمة الكربونية لعملياتهما. أكبر مصدر لغازات الدفيئة في مزرعة هاردينج هي أبقار الألبان التي ينبعث منها غاز الميثان بشكل طبيعي عندما تهضم. مصدر آخر هو السماد والتبن اللذان يجمعان عندما يتم إبقاء الأبقار في الداخل في فصل الشتاء، ويتم حفظ الروث وتخزينه في الهواء الطلق، لاستخدامه لاحقا كسماد. إحدى الطرق المهمة التي تستخدم في مزرعة هاردينج العضوية، قد يكون لها أثر أقل من الكربون مقارنة بالمزرعة التقليدية -المزرعة التي لا تستخدم الأسمدة الكيميائية، ويتم صنعها عبر عمليات كثيفة الاستهلاك للطاقة، ثم تطلق أكسيد النيتروز عند الاستخدام. من المرجح أن يقترح خبير ينظر إلى مزرعة هاردينج بناء مخزن مغلق لسماد الروث، من أجل إيقاف انبعاث الميثان. قالت هاردينج "أعتقد أننا يمكن أن نفعل ذلك. على أن السؤال هو: هل سيحدث ذلك فرقا؟". سيكون كسب المزارعين الحذرين أمرا أساسيا إذا أراد قطاع الزراعة خفض انبعاثاته. في علامة إيجابية برز الاتحاد الوطني للمزارعين باعتباره مؤيدا صريحا للتغيير، وحدد هدف صافي انبعاثات يصل إلى الصفر بحلول عام 2040. على أن الأمر سيتطلب أيضا أموالا، كثير من المزارع ببساطة لا تملك رأس المال اللازم للاستثمار في التقنيات والأدوات والتسهيلات الجديدة للحد من انبعاثات الكربون. دعت لجنة معنية بتغير المناخ في بريطانيا تقدم المشورة للحكومة بشأن أهداف الانبعاثات، إلى استخدام نظام الدعم الزراعي الجديد بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لتحفيز التغيير. وكتبت في تقرير "المدفوعات المالية في مشروع قانون الزراعة يجب أن ترتبط بإجراءات لخفض الانبعاثات وعزلها، تدخل حيز التنفيذ اعتبارا من عام 2022". قدرت لجنة التغير المناخي أن مشاريع الأراضي والزراعة لتخفيض الانبعاثات وتخزين الكربون ستكلف "أقل من ملياري جنيه إسترليني سنويا"، وهو ما يقل عن نحو ثلاثة مليارات يورو يحصل عليها المزارعون البريطانيون الآن، بموجب السياسة الزراعية المشتركة لأوروبا. لا يزال هناك كثير من العمل الذي يتعين إنجازه لمعرفة أفضل الممارسات بالنسبة إلى المزارع للحد من غازات الدفيئة. تختلف التقنيات اعتمادا على ما إذا كانت المزارع تربي الماشية، أو لديها عمليات ألبان أو تزرع الحبوب أو الفاكهة والخضراوات في البيوت الزجاجية. تنتج الزراعة ثلاثة غازات رئيسة تشكل خطرا على المناخ: أكسيد النيتروز الناتج عن استخدام الأسمدة والميثان من الماشية وثاني أكسيد الكربون، الذي يأتي من الكهرباء أو الوقود للجرارات والمركبات. في بريطانيا، ثلثا الأرض الزراعية لا يتناسب إلا مع رعي الماشية، 56 في المائة من نحو 49 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون المنبعثة سنويا تأتي من الميثان. يمثل أكسيد النيتروز 33 في المائة إضافية، ويمثل ثاني أكسيد الكربون 11 في المائة، وفقا لإحصائيات حكومة بريطانيا لعام 2017. طبيعة المناظر الطبيعية في بريطانيا تعني أن أكبر المكاسب ستأتي من تدابير تساعد على تربية الماشية مع تقليل انبعاثات الميثان إلى الحد الأدنى، مثل تغيير الأعلاف وإدارة السماد بشكل أفضل. من المهم أيضا تقليل استخدام الأسمدة الكيميائية: إحدى طرق ذلك هي حقنها في الحقول بدلا من وضعها في الأعلى، ويمكن استخدام صور الأقمار الصناعية عند الحاجة، فحسب. يبحث العلماء فيما إذا كانت بعض سلالات الأغنام والبقر ينبعث منها بشكل طبيعي غاز الميثان بشكل أقل، ما يعني أن علم الوراثة يمكن أن يساعد أيضا. إضافة إلى إيجاد طرق لخفض الانبعاثات، يتعين على صناع السياسات والأكاديميين التوصل إلى طرق لقياس ومراجعة كمية الكربون المخزنة في الأراضي الزراعية. هذا العمل ضروري لأن الزراعة تختلف بطريقة مهمة عن القطاعات الملوثة الأخرى مثل توليد الطاقة أو النقل: هي لا تولد غازات الدفيئة فحسب، بل يمكنها أيضا تخزين ثاني أكسيد الكربون في التربة والأشجار والنباتات. يمكن أن تساعد الممارسات الزراعية مثل الحد الأدنى من حراثة التربة، وزراعة محاصيل الغطاء الأرضي بين المحاصيل النقدية الرئيسة، وتناوب المحاصيل في تعزيز المادة العضوية في التربة حيث تحتوي على كمية أكبر من الكربون. كما يمكن أن تأتي مكاسب إضافية من زراعة الأشجار والأسيجة النباتية وغيرها من النباتات. حتى الأبقار والأغنام يمكن أن تكون جزءا من الحل، على الرغم من أن البعض يعتبرها مخلوقات شريرة تغير المناخ. عندما تأكل من الأراضي العشبية وتدوسها تحفز النمو، ما يسرع دورة الكربون ويحفظ غازات أكثر في التربة. في الوقت الحالي، لا يوجد إطار للسياسات لحساب تخزين الكربون في المزارع، أو لمنح المزارعين الائتمان لمثل هذه المبادرات. مع ذلك تبذل الجهود لتغيير هذا لذا قد يحصل المزارعون في يوم ما على أموال مقابل تخزين الكربون. لأول مرة في العالم أصدرت أستراليا ائتمانات كربونية لمزرعة عائلية في فيكتوريا لتخزين الكربون في ترابها، وتطور شركة إنديجو أجريكلتشر الناشئة في الولايات المتحدة مشاريع مماثلة. قال ديتر هيلم، الخبير الاقتصادي في جامعة أكسفورد الذي كان يساعد الحكومة في صياغة سياسات جديدة بشأن البيئة والزراعة: "ليتمكن قطاع الزراعة من تجنب تغير المناخ يتعين على صناع السياسة فرض عقوبات على انبعاثات الكربون وتعزيز تخزين الكربون" معا. وأضاف: "الزراعة الآن باعثة صافية وخطيرة لانبعاثات غازات الدفيئة، وفي المستقبل يجب أن ينتهي هذا، وستكون هناك فرصة كبيرة لجعلها عازلة صافية". يشعر بعض المزارعين البريطانيين بالقلق من أن السعي لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، الذي يقترن غالبا بمشورة الخبراء للناس باستهلاك كميات أقل من اللحوم والألبان، سيؤدي إلى دعوات لوقف تربية الماشية في بريطانيا، تماما. يجادل جو ستانلي الذي يزرع المحاصيل ويربي 150 رأسا من الأبقار ذات القرون الطويلة، في مزرعة مساحتها 750 فدانا في شرقي ميدلاندز، بأن هذا سيكون خطأ. أفادت إحدى دراسات جامعة أوكسفورد أن لحوم الأبقار المنتجة في أوروبا تنبعث منها غازات دفيئة أقل بثلاث مرات من لحوم الأبقار التي تتم تربيتها في أمريكا الجنوبية، حيث يتم إزالة الأشجار من الأراضي في الأغلب من أجل الرعي. قال ستانلي عن الريف البريطاني "لا يوجد شيء آخر يمكنك فعله بهذه الأرض. يمكن أن تخرج الأبقار وتزرع الأشجار، على أن من المحتمل أن ينتهي بك الأمر إلى استيراد الغذاء من بلدان تتسبب في تلوث أكثر مما نفعل".
مشاركة :