دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله في أواخر شهر رمضان المبارك لعام 1440هـ وثيقة (برنامج خدمة ضيوف الرحمن) أحد برامج رؤية 2030م؛ حيث تعتبر الوثيقة خطة عمل، شارك في إعدادها أكثر من 30 جهة حكومية، بهدف إحداث نقلة نوعية في خدمة ضيوف الرحمن. وتعتمد الوثيقة على ثلاثة أهداف إستراتيجية وهي: تيسير استضافة المزيد من المعتمرين والحجاج، وتقديم خدمة ذات جودة عالية، وإثراء التجربة الدينية والثقافية لهم. ولعلي أركز في مقالي هذا على (التجربة الدينية والثقافية) فهي الأكثر جدة وإبداعاً في الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن؛ فالمملكة تفخر بإرثها التاريخي والثقافي عبر العصور بما تختزنه من كنوز تراثية وآثار علمية وحضارات، حريٌّ بالمسلمين من كل أنحاء العالم الاطلاع عليها. ويؤكد معالي وزير الحج والعمرة د. محمد صالح بنتن في مناسبات عديدة على أن الوزارة جزء من منظومة خدمة ضيوف الرحمن، وتقديم أرقى الخدمات لهم، ولعل ما تقوم به الدولة السعودية من رعاية واهتمام بالحرمين الشريفين؛ ومنها إعداد وتأهيل الخطباء الدعاة والمؤذنين وهي بهذا المصدر الأول في إثراء التجربة الدينية والثقافية لهم. ثم يأتي بعد ذلك تهيئة المواقع التاريخية والآثار، والمتاحف، وتعريف الحاج والمعتمر على أشكال الفنون والمعارض والمهرجانات. وفي الحقيقة فإن المتاحف هي: من أهم مصادر إثراء تجربة الحاج لما تكتنزه من مقتنيات مختلفة لحفظ الذاكرة والهوية التاريخية. ولعل أهم المتاحف في مكة التي يفترض إطلاع الحجاج عليها: متحف عمارة الحرمين الشريفين وكسوة الكعبة، ومتحف مكة للآثار، ومتحف السلام عليك أيها النبي، ومتحف (أصحابي) الذي افتتح حديثاً ويجسد عظمة صحابة رسول الله في مؤازرتهم له في الدعوة الإسلامية. بل هناك معرض (برج الساعة) في الفيرمونت والذي أجزم أنه من أرقى أنواع المعارض العلمية تنظيماً.. والذي يضم معلومات عن الكواكب والنجوم وعظمة الخالق في الكون. وما أود الإشارة إليه أن هذا المعرض يحتاج إلى مزيد من التسويق والإعلان القوي، بل أتمنى إضافة نوع من الجذب الترفيهي له بأن تكون إحدى صالاته مسرحاً متحركاً (للخيال العلمي) بحيث يدخل الزائر في تجربة الصعود للفضاء وما يواجه من مجرات وكواكب ثم رؤية مكة المكرمة والكعبة؛ مما يعمق الإيمان في النفوس بعظمة الخالق وإبداعه الكوني. وهناك في المدينة المنورة معارض ومتاحف تثري تجربة الحاج والمعتمر ومنها: معرض القرآن الكريم، ومعرض أسماء الله الحسنى، ومتحف دار المدينة المنورة للتراث العمراني، ومتحف سكة الحديد، معرض (كأنك تراه) الذي أطلقته رابطة العالم الاسلامي كأضخم معرض شامل عن النبي الكريم وآدابه وأخلاقه، والسبع مساجد، وجبل أحد.. وغيرها من المعالم التاريخية. فإذا أضفنا إلى ذلك الكنوز التاريخية والآثار في الجبال والكهوف المحيطة بمكة المكرمة؛ ومنها ضرورة تهيئة غار ثور، وغار حراء ليكونا من المعالم الحضارية التي يزورها الحجاج والمعتمرون. بل أتمنى أن تقوم الهيئة العامة للثقافة بإنشاء مراكز ثقافية في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ بحيث تكون رافداً للإثراء الثقافي من المحاضرات والندوات الثقافية والأمسيات الشعرية والأدبية، وإقامة معارض للفنون والأزياء الإسلامية، حتماً كل ذلك وغيره سيجعل تجربة الحاج تجربة ثقافية فريدة ورحلة لا تُنسى وتحقيق هدف التواصل والمحافظة على المشتركات الإنسانية الحضارية.
مشاركة :