لم يكن يوم الخميس الثاني من أغسطس عام 1990م يوما حزينا ومؤلما على دولة الكويت الشقيقة وحدها فقط.. بل كان يوما مفجعا ومؤسفا وصادما لدول وشعوب مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي، وسيظل صفحة غير مشرفة في صفحات التاريخ العربي، وستبقى ذكراه تتوارد في الأذهان عقودا أكثر.. وهو اليوم الذي قام فيه النظام العراقي السابق بغزو دولة الكويت الشقيقة.. ليحطم آمالا وأحلاما كبيرة، وليكشف أقنعة ووجوها كثيرة، وليشكل مرحلة فارقة في مسيرة الأمة العربية أجمع. قد يتصور البعض أن مرور 29 سنة أي قرابة الثلاثة عقود، كفيلة بأن تمسح وتمحو آثار وتداعيات الغزو الغاشم، لكن الحقيقة المُرة هي أن الأمر لم يغب عن الجميع، لا في دولة الكويت التي لا تزال تعيش في آلامها وأحزانها إثر تتابع أخبار اكتشاف مقابر جماعية في العراق للشهداء الكويتيين منذ ذلك اليوم الأسود.. ولا في جمهورية العراق الشقيقة التي لا تزال تخرج منها بعض أصوات نشاز تصر على أن الكويت أرض عراقية.. على الرغم من حرص القيادتين الكويتية والعراقية على تعزيز التعاون والتفاهم وتجاوز ذكرى الغزو الغاشم. مملكة البحرين، قيادة وشعبا، كان موقفها واضحا ومعلنا منذ أول ساعة ولحظة، في بيان رفض الغزو الغاشم، وتأييد شرعية حكم آل صباح الكرام، والدعوة الى انسحاب القوات المحتلة فورا، وحق الشعب الكويتي في أرضه، وقد شاركت مملكة البحرين في دعم الموقف الكويتي بكل الوسائل والإمكانيات والتحركات، بمختلف أنواعها وأشكالها، رسميا وشعبيا. وكما هو الموقف الرسمي البحريني، فإن البيوت البحرينية فتحت أبوابها للإخوة الكويتيين الأشقاء، والشعب البحريني أسهم بكل ما يملك لرعاية الشعب الكويتي، وبذل من أجله الغالي والنفيس، وسطر أروع وأجمل صور التضامن والموقف والمصير الواحد المشترك. أذكر في ذلك اليوم الأسود، أنني كنت في أول سنة دراسية بجامعة البحرين، وقد تعطلت الدراسة يومها، وأصبح الجميع يترقب تطورات الوضع، وكانت قناة (سي إن إن) الأمريكية من أبرز المحطات الفضائية الإعلامية التي كنا نتابعها، كما شهدنا استعدادات أمنية احترازية، من ضمنها إطلاق صافرة الإنذار وغيرها من الأمور التي كانت غير طبيعية على الجميع. وكما سجل التاريخ السقطة الكبرى للنظام العراقي السابق، فكذلك هو نظام «الحمدين القطري» الذي حاول في أحد الاجتماعات الخليجية لبحث الغزو الغاشم، بأن يقايض الموقف القطري مقابل جزر حوار البحرينية، في ممارسة استغلالية بعيدة كل البعد عن خطورة الوضع القائم، فكان الجواب الحاسم والرد الحازم من الملك فهد رحمه الله، بأن أسكت «الأمير القطري السابق»، وقد ثبت الحق البحريني في جزر حوار بعد ذلك في المحكمة الدولية. تكشف صفحات التاريخ أن الأمير الكويتي الراحل جابر الأحمد رحمه الله، كان قد وجه كلمة إلى الشعب الكويتي حينما خرج إلى الطائف، وجاء فيها: «ما يحزننا، أن مصدر هذا العدوان الغاشم، لم يكن عدوا معروفا فنتقي شره، أو بعيدا عنا فنرتاب من أمره، بل وللأسف الشديد جاء العدوان من أخٍ جارٍ قريب، شددنا أزره في محنته، ووقفنا إلى جانبه في ضيقه.. فكان جزاؤنا ما رأيتم وعلمتم وعانيتم، فأين الأخوة؟ وأين العروبة؟ وأين حق الجوار؟ ولا نملك إزاء هذا إلا أن نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.. وإذا كان هذا العدوان قد تمكن من احتلال أرضنا، فإنه لن يتمكن من احتلال عزيمتنا.. وإذا كان المعتدون قد استولوا على مرافقنا ومنشآتنا العامة، فإنهم لن يستطيعوا أبدا الاستيلاء على إرادتنا..»، وقد تحقق التحرير للكويت الحبيبة وعادت الشرعية بعد ذلك، بموقف عالمي جامع. لا نريد أن نجتر آلام الماضي في ذكرى الغزو الغاشم، لكنه واقع مؤلم يفرض نفسه، وخاصة لدى جيل التسعينيات، ونسأل الله دوام الأمن والأمان للكويت الحبيبة، التي تسير اليوم بكل ثبات ونجاح في ظل القيادة الحكيمة، لأمير الإنسانية صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت حفظه الله ورعاه.
مشاركة :