في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي 2018 التقت “العربية.نت” الإعلامي والمثقف الراحل الدكتور عبدالرحمن الشبيلي (1944 _2019) مرتين الأولى هاتفياً والثانية بمنزله في الرياض، وكان محور الحديث الأهم عن كتابه الأخير الذي وثق من خلاله رحلته وسيرته الحافلة التي تسيد فيها مناصب مهمة في الدولة بداية بالإعلام ثم التعليم العالي ومجلس الشورى والمجلس الأعلى للإعلام، وكان حينها كتابه “مشيناها.. حكايات ذات” لم يجف حبره بعد. وقتها أكد الشبيلي أنه كتب ذكرياته بإلحاح من الأصدقاء والمقربين منه، والأمر استغرق – بحسب حديثه – عاماً ونصف وعدداً لا بأس به من المسودات حتى رأى الكتاب النور، ثم أشار بيده إلى أحد العاملين عنده كي يحضر مجموعة من الكتب التي أراد إهداءها للزملاء في “العربية” كتب في الصفحة التي تلي الغلاف عبارات منمقة ذيّلها بتوقيعه. حياتي كانت مصادفات سألناه عن الصدفة التي دائماً ما يكررها في عدد من المنابر: “ماذا كنت تقصد بها”؟ هنا رد الشبيلي بلطف وبساطة مبيناً أنه كان لديه طموح مبطن، ولكنه لم يكن يعلم كيف يسعى إليه؟! وأكمل حديثه: “جاءت الصدف في البداية بالانتقال من نظام وزارة المعارف إلى نظام المعاهد العلمية ثم العودة للمعارف، وثم مرحلة دخول الإعلام أيضاً كانت مصادفة، والشورى كانت مصادفة والانتقال إلى التعليم العالي كذلك، كلها مصادفات والعنوان الذي يعبر عن الكتاب بشكل أدق (حياتي كانت مصادفات)”. الشبيلي الذي منح الإعلام المساحة الأكبر في كتابه كان مديراً عاماً للتلفزيون عام 1971، وعمل 14 عاماً في وزارة الإعلام، ولأن الحديث عن الإعلام طاله عدد من التفرعات قال: “مازلت عند اعتقادي أن من أهم الشخصيات المؤثرة في الوسط الإعلامي الراحل عباس غزاوي، الذي أعتبره أفضل شخصية مهنية إذاعية مرت بالإعلام السعودي ولن تتكرر وذكرت ذلك”، أما الشخصية الأخرى وزير الإعلام السابق جميل الحجيلان، الذي يعتبره إدارياً فذاً ومسؤولاً أيضاً لن يتكرر، وأضاف الشبيلي هامساً بلطف: “أتمنى أن يكتب سيرته وحان الوقت أن نقرأها”. وتجنب الشبيلي أن يطلق على كتابه مصطلح “سيرة” أو يوظف المفردة في العنوان رغم أنه سبق أن تصدى لكتابة عدد من السير. يرد على ذلك عندما سألناه عن السبب قائلاً: “صحيح كتبت سيَر غيري، لكن عندما أتيت لتطبيق ذلك على نفسي، توقفت عدة مرات أتساءل هل السيرة هذه ستلبي القواعد الصحيحة في كتابة السيرة؟ وأنا لم أسمها سيرة بل (حكايات ذات)، ولا أخفيك أنني توقفت عدة مرات في الكتاب، حتى أرى هل هي معبرة عن السيرة أم لا؟”، وأضاف: “أبرز صعوبة وقعت فيها أثناء الكتابة مراعاة أن يكون الكتاب معبراً عن النظريات في كتابة السيرة الذاتية”. أما فيما يخص اسم الكتاب فكشف الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عن أنه تم اختيار 4 أسماء قبل الوصول إلى المسمى النهائي، وقال: “كانت هناك 4 عناوين مقترحة للكتاب، أحدها “قل سيروا” وهي إحدى الجمل التي وردت في الكتاب والعنوان الثاني “حياة شكّلتها الصدف” وهو عنوان محاضرة في النادي الأدبي أقيمت قبل فترة، وشعرت أنه يعبر عن مضمون الكتاب، والعنوان الثالث كان “عمر بلا فراغ” وكل عنوان له معناه”، وتابع حديثه: “في النهاية تغلب العنوان الحالي وكانت هناك مساعدة من الأصدقاء لاختياره”. الملك سلمان يمنح الشبيلي وسام الملك عبدالعزيز وذكر الشبيلي أنه أول من أدخل الدعاء بـ”اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة”، بعد بث أذان الحرم في الإذاعة، ولا يزال يُقرأ من الستينيات إلى اليوم. وبين أنه ذكرها في كتابه سريعاً، ولم يتوقف عندها حتى لا يفهم القارئ أنه يمجد نفسه. وعندما سألناه هل كان خروجه من الإعلام إلى التعليم العالي مؤلماً بالنسبة له، خاصة أن ذلك تم وهو في عز شهرته كمذيع لامع وظننا أن هذا السؤال سيخرجه من هدوئه ووقاره ولم يحدث عندما رد سريعاً: “بالعكس ليست كذلك.. مرحلة الجامعة أو التعليم العالي كانت مهمة أيضاً من ناحية العمل والمسؤوليات التي توليتها ولا تقل أهمية عن فترة الإعلام”، وهناك تبوأ منصب وكيل وزارة التعليم العالي وأميناً عاماً للمجلس الأعلى للجامعات، ولم يتوقف الشبيلي عن التأليف والكتابة حتى إنه بات مرجعاً للتاريخ الإعلامي السعودي الذي وثق أعلامه ومراحل تطوره ومحطات مهمة فيه، وكان يكتب بمتعة في الكتابة سواء في الإعلام أو السيَر حتى وصل عدد الكتب والسيَر التي ألفها حوالي 55 كتاباً ولازمه الشغف بالكتابة والتوثيق وإثراء المكتبة العربية إلى أن ودّع الدنيا. الشبيلي في منزله التقطت بديسمبر الماضيالإعلامي عبدالرحمن الشبيلي
مشاركة :